IMLebanon

أصحاب المهن الخاصة يُضيئون أصابعهم العشرة بالمولدات

 

 

أعصاب أصحاب المهن الخاصة، رهينة طلبات الزبائن الملحّة المتمايلة على نغمة الكهرباء وأوتار التقنين. لئن أصروا على الموعد المرتقب، لذهبت رزقة صاحب المهنة مهب الريح. وإن استشعروا مع مقدم الخدمة التي يبحثون عنها، وهي ليست خدمة عامة، لكسب قوت يومه. هذه قصة لقمة الافراد المغمّسة بالدمع في ظل سياسة الدولة الظالمة “كهربائياً” التي لا تشعر بنتائج فشلها بملف الكهرباء، منذ ان بشّر الوزير السابق للطاقة جبران باسيل بنفسه كـ “نبي” الكهرباء، ووقعها على من يحملون عدة عملهم ويتنقلون بين المنازل او من فرشوا ارض محل صغير على قدر طموحاتهم التي ما عادت تتخطى الكسب اليومي.

 

النمط المملّ للعمل الذي تخوضه كل من كسروان، المتن وجبيل، سببه الدولة، التي دفعت شريحة كبيرة من أصحاب المهن للجوء الى خيار شراء مولد خاص، لتفادي الحجر الاقتصادي المنزلي. يترك بيار أبي يونس (جبيل)، وهو صاحب ملحمة ابي يونس، سريره الساعة ثانية صباحاً ليشغّل مولده الخاص لتغطية فرق تقنين مولد الحي، وذلك كي لا يخسر ما خزنه من لحوم إضافة الى دوام النهار والليل.

 

هذا النموذج من الأب المجتهد الذي يترك فراشه ليلًا ليتابع لقمة عيشه، لا يجد الا الركض خلف لحمته حلاً للحفاظ على مصدر رزقه، الذي تقلص حجمه بسبب القدرة الشرائية للمواطنين والمرتبط ارتباطاً مباشرًا بالكهرباء. قبل شراء الزبون لحمته يسأل “أين المولد، ونسبة انقطاع الكهرباء” نقلًا عن رواد ملحمته، ليؤمن الشاري على سلامته الغذائية. يقسّم بيار فاتورة الكهرباء الى ثلاث مراحل: ففي المرحلة الأولى يدفع الى الدولة، الثانية الى مولد الحي، أما الثالثة وهي مرحلة “ترقيع التقصير” وكل ذلك بحسب رأيه ليس نمطاً طبيعياً لدولة حديثة، خصوصاً ان مصروفه بذلك يتخطى ملايين الليرات اللبنانية ولا يعادل حجم مدخوله.

اللاجئون الى حل شراء المولد أغلبهم من منتجي المأكولات كي لا ترمى تلك في النفايات. يخبر صاحب باتيسري في كسروان جان سركيس انه إضافة لاقتنائه مولداً صغيراً قلص عدد البرادات ليحمل المولد الثقل الذي يحفر في قلبه، فانتاجه القليل يوازي عدد الزبائن الذي تضاءل بنسبة سبعين بالمئة نسبة للسنوات السابقة الأمر الذي يبشر بان كل القطاع ضُرب. عمومية الحال في لبنان تثلج صدره اذ انه على حد تعبيره إن وصل البلد الى حافة الانهيار فهذه ستكون إشارة الى ان البلد كله سيثور ولن يعود الأمر متعلقاً به وحده. تفكّر صاحبة باتيسري ( المتن) كالين عبد بعد أن خضعت لأزمة الكهرباء، بشراء مولد صغير، سبق خيارها هذا مرحلة إقفال لمحلها منذ أسبوعين كي لا تسمم الزبائن وتحافظ على مستوى انتاجها الذي يعتمد على مواد لزجة تفسد بسرعة. هكذا انتقلت الى التسليم المباشر حسب الطلب، فهي لا تتحمل مسؤولية التخزين اذ ان خسارتها حتى الساعة تكفي ليضاف اليها مصروف شراء مولد لمعاودة العمل وليتمكن الموظفون من الوصول الى مركز العمل عبر حل أزمة البنزين او انتقال الزبائن الى خدمة “الديليفري” ليوفروا على أنفسهم عناء صرف مخزون البنزين.

 

أسعار المولدات ليست “كلمة بالتّم” اذ شرح مهندس كهرباء من شركة تبيع مولدات، رواد ابي نقّول لـ”نداء الوطن” أسعار المولدات التي تختلف أسعارها بحسب حجمها فكلما كانت قوة ضخ الكهرباء اكبر كلما ارتفع سعر المولد فيصل الى ستة آلاف دولار نقداً وادناه ثلاثمئة دولار لتأمين الكهرباء 24 على 24. لا تبيع بعض الشركات على حد توصيفه المولدات المنزلية بل تتجه نحو الاحجام الكبيرة علماً ان هناك ارتفاعاً بنسبة اللجوء الى شراء مولدات تعمل على المازوت لان المادة ارخص من البنزين.

 

من لا مولدات لديهم كيف يسيّرون عملهم؟

 

العتمة، يعلّق “شغل الايد” الذي يتكّل على تقليم التفاصيل الصغيرة فينفد الصبر، هكذا يختصر الكندرجي فارتان (المتن) يومه، أما زميله الياس فلجأ الى تصليح الاحذية على ضوء البطارية التي لا تكفي الا عشر دقائق لتلبية زبون وليس اكثر ليكون مدخوله على حجم “تصليحة” او اثنتين. هؤلاء يعيشون بحلقة مفرغة يتصدى لها عنادهم كي يزاولوا عملاً ما في دولة أصبحت تفضل العاطلين عن العمل. أما المصوّر غريغوري جاكوزيان (المتن) فيهرب الى ضوّ الشمس والطبيعة عندما لا تلوّن الإضاءة الكهربائية الصورة في المناسبات لكنه تحسباً لأي طارئ اشترى “يو بي أس” و “بطاريات” كلّفته اكثر من ثلاثمئة دولار نقداً ليستلحق عمله في الأعراس، او داخل الاستديو الذي يجري فيه المونتاج. الكهرباء التي غيرت مجرى تاريخ البشرية وأدت الى بزوغ الصناعة هي سبب مشاكل كل الطبقة العاملة في لبنان حتى الذين يتكلون على أيديهم. تبشّر الخياطة نبيلة (كسروان) الدولة ان العصر الحجري بمهنة الخياطة انتهى الى غير رجعة اذ ان هذه المهنة لم تعد مقتصرة على الابرة والخيط بل تعتمد على الآلات الكهربائية وتلك تحتاج الى كهرباء للعمل والعمل يؤدي الى مدخول للدولة. لا تريد نبيلة ان تحمل عبء شراء مولد او الركض خلف محطات البنزين لشراء المواد. التأجيل مسيرة في عملها تؤكد وعلى الزبائن التفهم فكما تنقطع الكهرباء في منازلهم حالتنا مستنسخة عنهم. بعض الزبائن يتفهمون الوضع اما البعض الآخر فيغضب لدرجة يتعرض فيها العامل الى “البهدلة” كما يصف مصفف الشعر مايك (كسروان) الذي يحمل محفظة عمله ويدور بين المنازل “إن توفر البنزين” على حد تعبيره. يتعايش مايك مع انتفاضة الزبائن على الكهرباء و”فشة خلقهم به” لا بل يحاول ان يريحهم نفسياً فان لم يتحمل مولّد الزبونة ادواته الكهربائية يستعير مما لديها الا ان مصفف الشعر أمين (جبيل) وهو صاحب مؤسسة فيها عشرة موظفين، يتخطى مراحل انقطاع الكهرباء بالصبر محدداً بأنها مشكلة عامة في لبنان وهذا يخفف اللوم عليه ولا يملك قدرة مادية لشراء مولد خاص به لذا يتماشى مع التقنين فينظم مواعيده وفق مواعيد انقطاع المولّد فالذي يحتاج الى طاقة كهربائية يؤجله الى حين حضور الضيف المنتظر بفارغ الصبر وفي مرحلة غيابه يؤدي تلك الاعمال التي تحتاج الى يديه وأدوات المهنة. ماذا لو كانت المهنة لا تنتظر؟ يروي دافيد عبود، رب عائلة، ويعمل في تصليح اعطال كهربائية أن راتبه أحياناً مع انقطاع الكهرباء لا يصل الى المليون ليرة فنمط المماطلة “الكهربائية” القاتل الذي يعيق عليه حتى معاينة الأعطال يبقيه أسابيع بلا عمل فينقّب عن الكهرباء، فهي نفطه

 

لم يعد السؤال اليوم كيف يتعايش أصحاب المهن الخاصة مع أزمة الكهرباء، بل الاجدر تصويب الإشكالية لتكون: هل من أحياء وهل من حياء للدولة للتعاطف مع الافراد الذين يريدون ان يأكلوا ولا يملكون الا مهنة “على قد بساطن”!