سيدفع لبنان مقابل ساعة أو ساعتين من الكهرباء 1 مليار دولار للعراق في غضون سنتين. هذا “الكحل” الذي فضّلته المنظومة البائسة عن “العمى” الكلي، يتعارض مع أبسط المفاهيم الاقتصادية. فالإنتاج الفعلي المؤمّن من صفقة السواب مع العراق لا يتجاوز 300 ميغاواط في أحسن الأحوال، وينخفض أحياناً كثيرة إلى أقل من 200 ميغاواط، مقابل طاقة إنتاجية قصوى في المعامل الحرارية قد تصل إلى 1500 ميغاواط. وإذا اعتبرنا أن للطاقة الإنتاجية كلفة ثابتة، فإنه كلّما زادت الطاقة الإنتاجية قلّت تكلفة المنتج، إذ تقسم التكاليف الثابتة على عدد أكبر من الوحدات المنتجة. وهذا ينطبق حرفياً على الكهرباء، حيث يظهر أن إيقافها نهائياً في الوقت الحالي، والاحتفاظ بالمليار دولار، أو حتى توظيف المبلغ في غير حقول، أكثر إفادة بما لا يقاس للإقتصاد.
يجادل البعض بأن لبنان لن يدفع مقابل صفقة تبادل النفط الأولى مع العراق، التي تستحق بعد أيام قليلة، والثانية الآتية “على الطريق”، نقداً بالدولار، بل سلعاً وخدمات داخلية، وهذا صحيح. إلا أنّ ما لا يؤخذ في الاعتبار بحسب مصدر متابع هو “الإنعكاسات السلبية لعملية التبادل هذه. فلو سلّمنا جدلاً بإمكانية قبول الأطراف المحلية، سواء كانت إنتاجية كالمزارعين، أو خدماتية كالمستشفيات، بتسديد مصرف لبنان بدلاتها بالليرة على سعر صيرفة، فإن المبالغ لن تلبث أن تتحول إلى الدولار. وبالتالي سيزيد الطلب على النقد الصعب، ويؤدي إلى مزيد من ارتفاع سعره مقابل الليرة. هذا فضلاً عن أن المبالغ المدفوعة لن تكون مدرجة في الموازنة، إنما ستنتج عن طباعة الأموال، وستسبب بذلك خطراً مضاعفاً على سعر الصرف”.
الأمور لا تقف عند هذا الحد. فتشغيل المعامل، ولو بطاقة منخفضة جداً، يتطلب تسديد مستحقات الشركات المشغلة بالدولار النقدي. وقد رأينا في السادس من تموز الفائت توقف شركة “برايم ساوث”، التي تدير أكبر معملين لإنتاج الطاقة في دير عمار والزهراني، عن العمل لعدم قبضها أموالها. ما دفع إلى تسريع تحويل الأموال بالدولار، التي كانت قد رصدت بجلسة 20 أيار من حقوق السحب الخاصة وبقيمة 60 مليون دولار. قبلها جرى تخصيص 200 مليون دولار في العام 2021 لتأمين الفيول لمعملي الذوق والجية القديمين اللذين يستهلكان الفيول بمعدل مرتين أكثر من المعامل الحديثة. فنفدت السلفة سريعاً وبقي المعملان الجديدان في الذوق والجية متوقفين لعدم توفر قطع الغيار والصيانة. وشركات مقدمي الخدمات لن تلبث أن تتوقف عن العمل بانتظار تسديد مستحقاتها بالدولار النقدي أيضاً. وعلى غرار ما سبق نضيف المتعهّدين والموردين لقطع الغيار وكل من يتعامل مع “الكهرباء”.
أمام ما تقدم، يصح السؤال إن كان تشغيل معامل الكهرباء قبل توفر كميات وازنة من النفط، وفصل سلطة وزارة الطاقة السياسية عن القطاع، وتعيين هيئة ناظمة مستقلة، وتخفيض الهدر الذي تتجاوز نسبته 50 في المئة، وتعديل التعرفة، أموراً مفيدة أم مضرة. وإذا كان الجواب يجنح حكماً إلى الفرضية الثانية، فلماذا إذا الاستمرار بهذا الواقع؟ ولمصلحة من؟ وهل من علاقة بين “الاستقتال” على الخسارة، وتسوية العلاقة مع الدولة الجزائرية للدخول بصفقات نفط مبهمة جديدة؟