كم من الجرائم تُرتكب باسمك..؟ هذا الوصف ليس للحرية هذه المرة إنّه للكهرباء، بل هو للإثنتين معاً.
تسقط الرئاسة والسياسة، ويعـمّ الظلام في غياب المتنوِّرين.
منذ أنْ هاجر الثنائي اللبناني: جبران خليل جبران وحسن كامل الصباح إلى الولايات المتحدة، أشرقَ في قـارة العالم الجديد نوران: نـورٌ للعقل ونـورٌ للعين، فكان «النبيّ»، وكانت الكهرباء.
إبـن بلدة النبطيّة نبَـغَ في الهندسة فسجّل اختراعاتٍ في الكهرباء والتلفزة.
وإبـن بلدة بشرّي نبَـغَ في الفكر فسجّل روائع في الرابطة القلمية والآداب.
وفي ظـلّ غياب هذا النوع من الثنائيات يسجّل لبنان في لبنان عتَمتَـيْن: عتَمـة أدبية وعتمة كهربائية، وكلتاهما يقودان لبنان إلى التظلّم والظلمة.
منذ مئةِ عامٍ ويزيد كان لبنان يصدّر الكهرباء إلى الولايات المتحدة، فأصبح يستورد العقوبات، وكان يصدّر الأبجدية إلى العالمَين، فأصبح يستورد الحروف الهجائية ويدفع ثمنها بالتقسيط.
ما لَنا وللآداب: الأدب الفكري والأدب السياسي والأدب الأخلاقي، هذا كان قبل أنْ يتحكّم رصاصُ البنادق بأقلام الرصاص، وقبل أنْ تتحكّم بالحكْم طبقةٌ جاهلة غبيّـة، فما كان الأديب حاكماً، ولا كان السياسي أديباً.
ألـدُّ أعداء الحكّام هـمُ المثقفون، والثقافة جـرمٌ يُعاقب عليه القانون.
أما الكهرباء، فتكاد تشبـه قصص ألـف ليلة وليلة بين سُفـنِ السندباد البحري والفانوس السحري وجراب الكردي: هاتِ يا خادمَ الجراب، لبّيك يا صاحب الجراب.
منـذ أنْ هبـطَ علينا في السنين العجاف، ذلك الصوت المـدوّي بأربعةٍ وعشرين ليلـةً وليلة تُنافسُ الشمسَ بالضـؤ، ونحن نعيش نهاراً بلا شمس وليلاً بلا قمـر.
ويظلّ التيار الكهربائي معلَّقاً على أعمدة التيار الوطني، وما علينا إلاّ أنْ ننفِّـذَ الأمـر، ونبلّط البحر.
إنتخاب رئيس للجمهورية والكهرباء ثنائيةٌ تكاد تكون من المستحيلات ولم تتوصَّل الإختراعات بعد، إلى حـلّ رموزها.
في المعادلة: الكهرباء كائـنٌ وجودي، الرئيس يذهب وهي تبقى، قبْلَـهُ كانت ومعه انطفأت، وأبـرز مواصفات الرئيس أنْ يتلألأ عهدُه بالكهرباء ولا انطفاء.
قصّـة الكهرباء تنطبق على سائـر المواضيع المماثلة، فهل سيظلّ وزراء في الدولة يتلقّون الأوامر من خارج الدولة فإمّـا أنْ ينصاعوا أوْ يصعقهُمُ التيار..؟
وهل ستظلّ سائر القرارات الحيوية المشابهة تشكّل ضربـة قاضية للميثاقية والحـق الدستوري، إلاّ إذا كانت خاضعة للأمبراطور الصيني الذي لقّـب بعمود السماء..؟
عمود الكهرباء أيها الكرام، هو العمود الفقري لكلّ مرافق الدولة ومؤسساتها الإنتاجية، فهل سيظلّ الضؤ فيه محتجباً عن الشعب، ما دام يؤمِّـن تجارة المولّدات الزاهرة، وما دام الضـؤ يشعّ في رحاب القصور..؟
أيتها الكهرباء: أنتِ اختراع لبناني، وباسمك تُرتكب الجرائم… فلتكن أعمدتُكِ بمثابة مشانق يُعلَّـقُ عليها جميع الذين اخترعوا خشبة الجلجلة للبنان، حتى لا يكون مصيرنا على غـرار الدكتور «جوزف غيوتان» الذي ابتكر مقصلة الإعدام للثورة الفرنسية، فكان هو من ضحاياها وأعْـدِمَ بها.