أهلاً بكم في جمهوريّة مولّدات الكهرباء، التي تتوسّع صلاحياتها حتى بات أصحاب المولّدات الآمر الناهي في القرى، فيُسعّرون وفقاً لأرباحهم. لا سلطة للقوى الحزبية والسياسية عليهم، فهؤلاء يحظون بإشتراك مجاني، على حساب الفقير الذي يعجز عن دفع فاتورة قد تتخطى المليون ونصف المليون، فكيف مع “دولرة” الفواتير.
تعاظم شأن أصحاب الاشتراكات مع تفاقم الأزمة. يحتلّون أعمدة الكهرباء بكابلات مولداتهم، في حين يرفضون تسديد الضرائب المستحقّة عليهم للبلديات، على قاعدة “مين فرعنك؟”. لا رقابة فعليّة على عدّادات الإشتراك. التلاعب سيّد اللعبة. الإعتراض ممنوع تحت تهديد “مش عاجبك إقطع الإشتراك”. في هذه الجمهوريّات الكلمة للدولار، يَجمع أصحاب الإشتراكات حولهم “الفتوّة والعضلات المفتولة”، ويحتمون بهم. مخطئ من يعتقد أنّ البلديات قادرة على فرض هيبتها عليهم، على العكس، يتصرّفون كما لو كانوا أصحاب القرار، يستفيدون من شبكة مؤسسة كهرباء لبنان، ويرفضون منح البلديات أي اشتراك مجّانيّ. آخر فصول الإستقواء، قطع أحد أصحاب المولّدات الكهرباء عن إحدى بلديّات النبطيّة، ما أدّى إلى تعطيل عملها وإضراب موظّفيها جرّاء غياب التدفئة وسيطرة العتمة. في هذا السياق، أكّدت مصادر البلديّة “حقّها بتحصيل ضريبة من الإشتراكات”، لافتةً إلى أنّ “القانون منحها حقّ استيفاء 10% عن كل فاتورة. كما منحها القانون أيضاً سلطة الرقابة عليهم. ولكن كلّ ذلك لا يحصل. ولن يحصل”. ورأت “أنّ الأموال العائدة إلى الصندوق البلدي من الإشتراك، قد تمكّنها من الصمود في وجه الأزمة”.
قبل أيّام عدّة، قطع عدد من أهالي أحياء بلدة تول الطريق، إعتراضاً على سياسة الإشتراك في البلدة، التي تحرمهم من الكهرباء، وتفرض عليهم فواتير فوق الخيال، حاول الأهالي رفع صوتهم ضد “فراعنة الإشتراك”، علّ القوى الحزبية والسياسية تتدخّل، لكن من دون جدوى، فهؤلاء، بحسب المعترضين، “ما حدا بمون علين”. يفرض هؤلاء قوانين صارمة على العديد من القرى، كنوع من إقطاعيّة جديدة، دفعت أبو ياسر “للتحسّر على إقطاعيات زمان”، قائلاً: “نعيش الإستبداد برضى لأنّنا مضطرون، طالما لا دولة لدينا”. كان الناس يعوّلون على ساعتين من التيار الكهربائي يوميّاً، وفقاً للوعود التي أطلقتها وزارة الطاقة، بيد أنّ الكهرباء مقطوعة منذ يومين عن النبطية ومنطقتها، لتزيد “دولرة” فواتير الإشتراك “الطين بلّة”، ما يعني أنّ المواطن سيدفع فواتير فوق المتوقّع.
لا صوت يعلو فوق صوت التلاعب في عدّادات الإشتراك، كلّ “كبسات” وزارة الإقتصاد لن تؤتي ثمارها، بل على العكس “غاب المراقبون إلعب بالعدّاد”. يتسلّح هؤلاء بحجّة “ارتفاع وتلاعب الدولار والكلفة التشغيليّة”، غالبيّتهم يعملون في الصرافة، ويشترون الدولار وفق صيرفة، لهم سياستهم ونظمهم، باتوا أقوى من الدولة، وعلى ما يصفهم البعض “عسكر الكهرباء”.
لم تؤتِ الطاقة الشمسية نتائجها، ولم يتمكّن الناس من الإستغناء عن الإشتراك. صحيح أنّ البعض لجأوا إلى الـUPS والبعض إلى المولّدات، بيد أنّ الحاجة للإشتراك لم تنتفِ، ما لم تعُد الكهرباء… صاحب أحد المولدات الخاصة التجارية لا ينفي تحوّلهم إلى جمهوريّة بحدّ ذاتها، مشيراً إلى أنّ “الأرباح الآتية من المشتركين كبيرة جدّاً، وما يُحكى عن خسائر بسبب الدولار والكلفة التشغيليّة، غير صحيح. إنّها “سمفونيّة النقّ”، هدفها إقناع الناس بالخسارة، كي لا يطالبونهم بتخفيض الفاتورة”. ويؤكّد المصدر نفسه أنّ “من يحصلون على مجانيّة الإشتراك هم قياديو الأحزاب وفاعلياتها، وتأتي على حساب المعدومين، ما يُمكّنهم من إحكام قبضتهم على جيوب الناس من دون اعتراض”.
من الواضح أنّ “قانون الإشتراكات” خارج عن القانون، ويفرض فواتير مدجّجة بالتلاعب المتقن. فابتسم أنت في أحد فروع الفساد المقونن في لبنان، طالما لا شرعية لأحد على أحد. والمتضرّر الوحيد هو المواطن نفسه!