IMLebanon

أزمة الكهرباء مستمرة بين إنذار الدولة بالدفع ومصادرة الحلول المجدية!

 

وجّهت كهرباء لبنان إنذاراً للإدارات والمؤسسات العامة والبلديات وأعطتها مهلة لتسديد الفواتير، وهدّدت بقطع الكهرباء في حال عدم الدفع، وقد انتهت المهلة، فما هي خلفيات هذا الإنذار، وماذا عن جدّيته والجدوى منه، وعن إمكانية تنفيذه؟

من حيث المبدأ من حق المؤسسة، لا بل من واجباتها توجيه إنذار للتذكير بتسديد ما يتوجب لها بذمّة مشتركيها، مواطنين عاديين كانوا أو مؤسسات وشركات خاصة أو هيئة تابعة للدولة، وذلك حفاظاً على حقوقها وأموالها التي تندرج ضمن فئة الأموال العمومية، بما يترتب عن هدرها وإهمال تحصيلها من مسؤوليات. ولكن هناك أسئلة وملاحظات عدة حول جدّية هذا الإنذار، وحول قيام المؤسسة بموجباتها تجاه الدولة والخزينة، وبالتالي حول إمكانية تحقيق الغاية المرجوة منها في الواقع، وحول خلفيات هذه الصحوة بعد هذا الكمّ من التقصير والإهمال وسوء الإدارة الذي أدّى إلى هدر أموال عمومية بمليارات الدولارات على مدى عقود، ومن الفوضى وسوء الإدارة المالية التي تعيشها كهرباء لبنان، وكانت أعباؤها على رأس أسباب إفلاس الخزينة وانهيار مالية الدولة والضرر الهائل الذي أصاب الاقتصاد والليرة، واستنزف قدرة المواطن على تحمّل أعباء غيره ممن يستمدّون الطاقة من شبكة المؤسسة بطريقة غير مشروعة خارج العدادات.

 

ومن هذه الأسئلة والملاحظات:

 

– ماذا عن إنذار مخيمات النازحين واللاجئين، الذي كان على رأس مهمّات ومنع التعليق وخفض الهدر غير الفني، الذي شكّل مبرر وهدف الاستعانة الموقتة بشركات مقدمي الخدمات، وعلى الرغم من فشلها في تحقيق الغاية من الاستعانة بها، والتي كانت موقتة وتحوّلت بسحر ساحر إلى دائمة.

– بالنسبة إلى الفواتير عن فترة ما قبل رفع التعرفة: هناك حدود لإمكانية استجابة الهيئات المعنية بالإنذار بدفع المستحقات، من إدارات الدولة والمؤسسات العامة والبلديات. وهذه الحدود مرتبطة، أولاً وأخيراً، بتوافر الاعتمادات في موازنات الجهات المدينة بها؛

 

– بالنسبة الى فواتير ما بعد رفع التعرفة وإقرار قانون موازنة 2024، التي أشيع على لسان رئيس لجنة الموازنة أنّ كهرباء لبنان هي التي قدّرت قيمة الاعتمادات اللازمة لتغطية فواتير الكهرباء المرتقب صدورها على الإدارات العامة، وأنّ هذه الاعتمادات تشكّل نسبة عالية من إجمالي اعتمادات الوزارات، فهل ستكفي هذه الاعتمادات ومن سيضبط ويضمن ترشيد استهلاك الإدارات العامة من الطاقة؟

– بالنسبة الى المؤسسات العامة، وخصوصاً المؤسسات العامة للمياه في المناطق، ماذا عن حجم استهلاكها قياساً على قدرتها المحدودة على الجباية، وماذا لو لم تتمكن من دفع قيمة الفواتير المتراكمة والجديدة، فهل ستتجرأ كهرباء لبنان على قطع التيار عنها، واستطراداً هل ستتجرأ على قطع التيار عن مخيمات النازحين واللاجئين والنافذين والخارجين على القانون في مختلف المناطق!

 

وهناك مشكلة سلفات الخزينة المترتبة بذمّة المؤسسة والمتراكمة بمليارات الدولارات. وقد أوجب قانون موازنة 2018 وضع آلية لمعالجتها تحدّد طريقة جدولتها وتسديدها، وذلك بموجب قرار يفترض أن يصدر بالتعاون بين المؤسسة ووزارتي الطاقة والمالية؛

 

ماذا عن عدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء بالموافقة على زيادة التعرفة، الصادر خلال العام 2017 بناءً على اقتراح وزير الطاقة والمياه في حينه، الذي تأخّر حتى العام 2020، من دون وضع الآلية المطلوبة لمعالجة ديون المؤسسة وجدولتها. وقد صدر مشوباً بعدد من المخالفات الجوهرية في أسوأ ظروف اقتصادية، واستدعت من عشرات آلاف المشتركين التقدّم بطلبات لإلغاء اشتراكاتهم أو خفضها، وادّى الاعتراض عليها إلى العودة، بطريقة خجولة، عن بدل التأهيل غير القانوني وعن زيادة الـ20 في المئة على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

 

ماذا عن مصادرة الحلول المتاحة لتخفيف حدّة أزمة الكهرباء، المتمثلة بالتوجّه نحو الطاقة الشمسية، التي تشكّل أفضل الحلول وأسرعها، والأجدى والأكفأ اقتصادياً والأسرع تنفيذاً والأقل حاجة للتمويل، ومن شأنها خفض فاتورة المواطن المنهك والمثقل بالضرائب والرسوم التي ارتفعت في موازنة 2024 إلى مستويات خيالية لا تُطاق. ولا بدّ من التذكير في هذا المجال بخطأين كبيرين:

 

ـ الأول، ارتكبته الحكومة في 12/5/ 2022، بموافقتها غير القانونية على إعطاء تراخيص لإنتاج الطاقة الشمسية لعدد من «تجمّع الشركات» لبناء معامل طاقة شمسية، جرى تعديل شروطها أخيراً ووافق مجلس الوزراء أيضاً على تجييرها لشركات جديدة، وتمّ تعليق تنفيذها على توفير تمويل خارجي، فيما هناك متمولون محليون جاهزون وقادرون وينتظرون توفير الإطار القانوني اللازم لتشريع استثماراتهم في الطاقة الشمسية.

– الثاني، ارتكبته السلطة التشريعية بإهمالها دور البلديات الحيوي الممكن في تنفيذ بناء مشاريع معامل ومزارع الطاقة الشمسية بالتعاون مع القطاع الخاص، وإقرارها قانون الطاقة المتجددة الموزعة، الذي يربط تنفيذ أي مشاريع ضمن نطاقه بشبكة كهرباء لبنان وبتنفيذ مديرية الطاقة المتجددة الذي أحدثه ضمن هيكلية المؤسسة، والمعلّق أيضاً على تعيين الهيئة الناظمة، التي يمتنع وزراء الطاقة المتعاقبون على اقتراح تعيينها، ويستعيض آخر جيل منهم عنها بجمعية خاصة تقيم في مبنى الوزارة، وتعمل دون أن تكون لها أي صلاحية في القانون. وقد لجأت أخيراً إلى نشر تعديل أجرته على غايتها لتتلاءم مع مقتضيات هذا القانون، ويبقى الوزير قابضاً على أي إمكانية للاستثمار في قطاع الطاقة. وما أدراكم بقطاع الطاقة ومؤشرات وشبهات الفساد التي لطالما دارت حول مشاريعه وعقوده ومناقصاته والاستثمار فيه!