Site icon IMLebanon

الهيئة الناظمة: دور حاسم في معالجة أزمة الكهرباء، والـ «وزير» يمنع ولادتها!

 

عالمياً، الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء سلطة إدارية مستقلة عن الوزير، تتشكل من مهندسين وخبراء باختصاصات متنوعة؛ والغاية من وجودها هو تأمين الاستقرار والاستدامة والانسجام في توجهات القطاع واتجاهات تطويره، بمعزل عن أمزجة السياسيين، وبما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية والحداثة؛ ويبتغي إنشاؤها ضمان توفير خدمات للمواطن تكون آمنة ومستقرة ودائمة وذات جودة عالية وبأسعار معقولة، من خلال تحديث تنظيم القطاع وممارسة الرقابة على أداء العاملين فيه، وتعزيز المنافسة والنزاهة والعدالة في إطاره لضمان مصالح المستهلكين والمستثمرين، والتحسين المستمر للأداء، ومراقبة وضبط الجودة.

في لبنان أنشئت «هيئة تنظيم قطاع الكهرباء» بموجب المادة السابعة من قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/ 2002، وقد نصّ هذا القانون على أن تتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال الفني والإداري والمالي، وأخرجها حتى من أحكام النظام العام للمؤسسات العامة الصادر بالمرسوم رقم 4517/ 1972، وأولاها:

 

{ إعداد مخطط توجيهي عام للقطاع، الذي استبدله وزير الطاقة عام 2010 بـ»ورقة سياسة قطاع الكهرباء»، وأقرها مجلس الوزراء في حينه، وسميت بـ»حطة الكهرباء وجرى تعديلها وتيويمها عدة مرات لتبقى حية ويفرض إدراجها ضمن البيانات الوزارية المتعاقبة، دون معرفة مضمونها؛

{ تنظيم شؤون قطاع الكهرباء والرقابة عليه، وتحديد قواعد ومعايير أداء القطاع والسهر على حسن أدائه والرقابة على التعرفة وتأمين المنافسة ضمن إطاره؛

{ إعداد مشاريع المراسيم التنظيمية المتعلقة بتطبيق قانون تنظيم القطاع؛

{ تشجيع الاستثمار في قطاع الكهرباء؛

{ تأمين وتشجيع المنافسة في القطاع؛

{ وضع المعايير التقنية والفنية والبيئية وقواعد التثبت من التقيد بها وضبط تطبيقها؛

{ إصدار تراخيص لإنتاج وتوزيع الكهرباء لمدة أقصاها خمسون سنة عن طريق إجراء مناقصات عامة أو استدراجات عروض.

 

في الواقع، امتنع وزراء الطاقة المتعاقبون عن تعيين هذه الهيئة؛ وربما يكون من بين الموانع ما يستنتج من بين سطور بعض أحكام القانون حول علاقة لها بالتحقق من نوعية الفيول، من خلال صلاحيتها بالعمل على تحسين كفاءة التشغيل وضمان جودة الخدمات؛ لاسيما وان كفاءة الانتاج مرتبطة باستخدام الفيول من النوعية والمواصفات المناسبة لمجموعات الإنتاج، وكذلك صلاحيتها في وضع المعايير التقنية والفنية والبيئية وقواعد التثبت من التقيد بها ومراقبة وضبط تطبيقها؛ بما لهذه المعايير من علاقة مباشرة بالتلوث الناتج عن نوعية المحروقات والـ «فيول المغشوش» وغير الملائم للشروط والمعايير البيئية، والمستخدم بكثافة في إنتاج الكهرباء، إن من خلال المولدات الخاصة أو مجموعات كهرباء لبنان، والتي فاحت رائحتها اكثر من مرة وفتحت بشأنها ملفات قضائية لم يعرف مصيرها.

 

لقد عبّر جيل وزراء الطاقة، اعتباراً من 2010 وحتى اليوم، عن اعتراض صريح على تعيين «الهيئة» قبل تقليص صلاحياتها من خلال تعديل قانون تنظيم القطاع، وذلك من باب الاستئثار بالسلطة والتحكم بالاستثمار في القطاع لعشرات السنين القادمة والتحيّز في منح التراخيص، التي يمكن أن تمتد صلاحيتها إلى خمسين ستة. وقد استبدل هؤلاء استدامة الهيئة والاستقرار في أداء قطاع الكهرباء، المفترض أن تؤمنه، باستمرارية نهجهم ووجودهم في وزارة الطاقة، بحيث تحولت إلى إمارة يتوارثونها وتحكم من روح قدس عميقة، حالت وما زالت تحول دون تنفيذ قانون تنظيم قطاع الكهرباء وقانون تنظيم الشراكة مع القطاع الخاص وقانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، ويمنعون تنفيذ الحلول المتاحة لأزمة الكهرباء الخانقة.

بموجب القانون 181/ 2011، تقرر تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية نائبه ومعهم ثمانية وزراء، للنظر بالتعديلات على القانون رقم 462،  خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، والالتزام بالقانون وتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال هذه الـمهلة بناء على اقتراح وزير الطاقة والـمياه؛ غير أن وزير الطاقة استفرد بتقديم اقتراح التعديلات دون غيره من أعضاء اللجنة الوزارية المذكورة. وقد رأت هيئة التشريع والاستشارات، بنتيجة عرضه عليها،  أنه يقتضي إعداد دراسة من قبل فنيين حول قابليته للتطبيق، وأنه اشتمل على نوع من خصخصة لقطاع الكهرباء على الرغم من وجود قانون يرعى الخصخصة، وأن التفويض التشريعي يعطى إلى مجلس الوزراء وليس إلى وزير، وأنه يؤدي إلى تدخلات متعددة لمجلس الوزراء الذي قد يؤدي إلى تعطيل تطبيق القانون وأنه يخرج كامل القطاع من القانون المتعلق بإبرام الصفقات العمومية وصلاحية ديوان المحاسبة في التصديق عليها؛ ؛ هذا فضلاً عن أن التشريع الحديث يتجه نحو الحد قدر المستطاع من تعليق نفاذ القوانين على صدور مراسيم عن مجالس الوزراء، ولم  يتم تعيين الهيئة حتى اليوم.

كيف يستعيض الوزراء عن وجود الهيئة الناظمة؟

إن صلاحية إعطاء امتيازات لإنتاج الكهرباء وتوزيعها، في الأصل تعود إلى مجلس النواب، بحيث  كانت تمنح بموجب قانون عملاً بأحكام المادة 89 من الدستور، وكان أن أولى هذا المجلس الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، المستقلة عن الوزير، صلاحية إعطاء أذونات وتراخيص إنتاج الكهرباء بموجب قانون تنظيم القطاع رقم 462/ 2002، الأمر الذي ينفي إرادة المشترع تجيير صلاحية دستورية تعود له إلى وزير، لا سيما وأن مجلس النواب منح السلطة التنفيذية هذه الصلاحية لمجلس الوزراء، وذلك بموجب القوانين: 288/ 2014، و54 /2015، و129/ 2019، حيث تم تعديل المادة السابعة من قانون تنظيم قطاع الكهرباء وتمديدها، بحيث يتولي مجلس الوزراء صلاحية منح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرار منه بناءً على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمالية، وذلك بصورة مؤقتة، ولحين تعيين أعضاء الهيئة واضطلاعها بمهامها؛ واعتباراً من 2011، اعتمد وزراء الطاقة في شؤون الطاقة المتجددة على جمعية خاصة لا تتوخى الربح، تقيم في مبنى الوزارة وتمارس أنشطتها تحت رقابة الوزير، وحاصلة  على بيان علم وخبر من وزارة الداخلية بتاريخ 27/ 1/ 2011، تحت إسم «المركز اللبناني لحفظ الطاقة»، ومن غاياتها مساعدة الهيئات الرسمية وبالأخص وزارة الطاقة والمياه في إعداد التشريعات المتعلقة بحفظ الطاقة والطاقة المتجددة؛ وقد أعطيت هذه الجمعية مساهمة مقدارها 15 مليار ليرة منها 1،5 مليار لمأسستها، بالمعنى المقصود في قانون النظام العام للمؤسسات العامة، الذي ينص في المادة 3 منه على أن  تنشأ المؤسسات العامة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء؛ غير أنه لم تتم مأسسة هذه الجمعية خلافاً لزعم «مديرها العام» بأن المركز «ممأسس» ولا يحتاج إلى مأسسة إضافية.

من نتائج فشل تدخل هذه الجمعية في أعمال تندرج ضمن اختصاص إدارة وزارة الطاقة،  تلزيم إنتاج الطاقة من الرياح خلال العام 2017، بصيغة أدت إلى بقاء هذا التلزيم حتى اليوم حبراً على ورق، وكذلك موافقة مجلس الوزراء بتاريخ 12/ 5/ 2022، برغم انتهاء صلاحيته،  على «استدراج نوايا» لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية كان أجراه وزير الطاقة خلال العام ٢٠١٧، على أن يبدأ الإنتاج في غضون ثلاثة أعوام. ومع ذلك، لم يدخل تنفيذ المشروع في المسار المرسوم له، والأرجح أن يلاقي مصير مشروع الطاقة من الرياح المعلق والمجهول المصير بانتظار توفر تمويل خارجي.

 

وبنتيجة الضغوط والإلحاح في مطالبة وزراء الطاقة بتعيين الهيئة الناظمة، لجأ الوزير الحالي إلى مناورة أعلن بنتيجتها عن رغبته بتعيين الهيئة الناظمة. ولكنه «فخّخ» الإعلان طلبه ستة أعضاء وليس خمسة وفقاً لما نص عليه القانون، ليضاف هذا العائق إلى اعتكافه عن حضور جلسات حكومة تصريف الأعمال  التي لا تملك أصلاً صلاحية التعيين، لتبقى أزمة التعيين على حالها؛ وقد نقل عن رئيس مجلس النواب مؤخراً رفضه الاستجابة لطلبات الوزير الطاقة قبل تعيين الهيئة الناظمة.

أخيراً نذكّر بأن عدة قوانين ما زال تنفيذها معلقاً على نعيين الهيئة الناظمة، نذكر منها قانون تنظيم القطاع الذي نص على إنشائها، وفانون تنظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بحيث يستمر استنزاف قدرات المواطن والاقتصاد بمختلف قطاعاته، ومعهما موازنة الدولة ومؤسساتها، وتبقى البلاد معلقة على خشبة التهديد بالعتمة الشاملة، صيفاً وشتاءً وفي كل آونة، تحت عيون حكومة «قراقوش» التي زادت طينة الضغط الاقتصادي بلة بإسقاط خطة الطوارئ الوطنية للكهرباء على مؤسسة كهرباء لبنان وإلزمتها بزيادة تعرفتها وتضمين فاتورتها بدل تأهيل وزيادة على سعر صرف الدولار هي أشبه بالخوة والجزية.

المطلوب اليوم، في أقرب فرصة وأسرع وقت، هو التقاء النواب على اقترح قانون يجيز للبلديات واتحاداتها بإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بالتعاون مع القطاع الخاص، في إطار تنمية المناطق ولا مركزية الإنتاج والتوزيع، وفق نموذج شركة كهرباء زحلة من الوجهة التقنية فقط!

 

مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه وخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق