Site icon IMLebanon

الهرب من العتمة: كل الطرقات مقطوعة!

  

 

البحث عن مخارج تُبعد الكهرباء من تحت رحمة المصرف المركزي، يؤدي إلى اليأس. حلم إنشاء معامل جديدة يبدو بعيد المنال حالياً، مهما أبدت شركات عالمية استعدادها لذلك. ما لم يوقع لبنان برنامجاً مع صندوق النقد، فإن الشركات لن تكون مستعدة لدفع دولار واحد. أما شراء الغاز من مصر أو شراء الكهرباء من الأردن فغير واردين حالياً، لأسباب تقنية وسياسية. يبقى أن تمّن دول صديقة على لبنان كما منّ عليه العراق. أما إذا لم يحصل شيء من هذا، فإن استقرار الشبكة سيكون في خبر كان. حتى مصادر حكومية رسمية تدعو للاستعداد لمرحلة العتمة، التي، إذا استمرت الظروف الحالية، لن يكون أحد قادراً على إبعادها

 

 

في وزارة الطاقة تسليم بأن العتمة الشاملة صارت واقعاً. بشكل أدق، سقط من قاموس العاملين في القطاع ما يسمى بـ«عطل على الشبكة». كل عطل يعني تلقائياً الانقطاع الشامل للكهرباء. تقنياً، طالما أن الإنتاج يقلّ عن 800 ميغاواط، فلا شيء يضمن الحفاظ على استقرار الشبكة إذا أصابها أي عطل. أما إذا قلّ عن 500 ميغاواط، كما حصل الاسبوع الماضي، فإن الشبكة ستكون معرضة للـ black out حتى من دون أعطال. هذا ما حدث الأسبوع الماضي. الأربعاء استمر القطع الشامل لساعتين، والجمعة أطفئت الشبكة بشكل كامل من السادسة صباحاً، حتى ظهر السبت. عادت المعامل إلى العمل، بعد جهد كبير من فنيي مؤسسة كهرباء لبنان، الذين صاروا يحتاجون إلى كثير من الجهد والخبرة ليتمكنوا من إعادة الكهرباء إلى الشبكة، بعدما دمّر انفجار المرفأ غرفة التحكم بالكهرباء. لكن إلى جانب القلق الدائم من تأخر شحنات الفيول، أو تأخر فتح مصرف لبنان للاعتمادات، فإن القلق يستمر من عدم القدرة على تمويل الصيانة، بسبب رفض المصرف دفع أي دولار. حتى الاتفاق الذي كان قد أنجز، وينص على أن تحصل الشركات مقدمة خدمات التوزيع على ثلث مستحقاتها بالليرة والثلث الآخر بـ«اللولار» والثلث الأخير على سعر منصة «صيرفة»، بدلاً من الدولار النقدي كما حصل سابقاً، سقط. فالدولار وصل إلى 20 ألفاً، والشركات التي وافقت على تحمل خسارة بسيطة عندما كان الدولار يناهز 13 ألفاً، عادت ورفضت لأن الفارق بين سعر «صيرفة» وسعر السوق وصل إلى 40 في المئة. علماً أن إشكالاً آخر كان يواجه هذا الحل يتمثّل في تحديد الجهة التي تتحمل فارق السعر بين الـ1500 ليرة التي تدفعها كهرباء لبنان والـ12 ألفاً التي أبدى مصرف لبنان استعداده لدفعها، شرط أن يُسجل الفارق ديناً على الخزينة. لكن بعدما تبين أن ذلك يحتاج إلى قانون، لم يتم التقدم بالاقتراح لأنه لا إمكانية محاسبية لتبرير دفع المبلغ من الخزينة.

تذكر مصادر وزارة الطاقة أن ما دُفع على الكهرباء خلال ستة أشهر كاملة، تخطى 100 مليون دولار بقليل، في حين أن الاعتماد الذي فُتح لتغطية نفقات الفيول في عام 2020، كان مليار دولار، لكن بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العام الماضي، استعمل الفائض لتغطية حاجة المؤسسة حتى شهر أيار، فيما لن يكفي اعتماد الـ200 مليون دولار لما بعد آب، على معدل التغذية الحالي.

 

شركات الخدمات تتراجع: سعر «صيرفة» لم يعد مقبولاً

 

 

كل ذلك يؤشر إلى أنه لا بد من العمل «خارج الصحن». بمعنى أنه لم يعد يكفي الأمل بأن يفرج مصرف لبنان عن الدولارات لصالح المؤسسة. وإذا صار معلوماً أن تأمين الدولارات للمؤسسة، يمكن أن يعيد إنتاج الكهرباء إلى معدلات تفوق 1500 ميغاواط، فإنه من الواضح أن مصرف لبنان يرفض رفضاً قاطعاً دفع أي دولار للقطاع. المشكلة الأكبر أن المصرف المركزي، لا يزال يتجاهل حقيقة أن كل دولار تحرم منه الكهرباء، يقابله دفع 1.30 دولار للمولدات. بالتالي، فإن كل مئة مليون دولار تدفع للكهرباء تعني تلقائياً توفير 30 مليون دولار.

أمام هذا الواقع، ألم يحن الوقت لتقوم وزارة الطاقة، ومن خلفها الحكومة، بإجراءات جدية لتقليص الحاجة إلى الدولارات؟ الاتفاق مع العراق، الذي تؤكد المصادر أنه يسير نحو التوقيع، يمكن أن يشكل نموذجاً. لماذا لم تتواصل الحكومة مع أي من الدول الصديقة للبحث في إمكانية تكرار الأمر نفسه، بحيث يحصل لبنان على الفيول، مقابل تسديد ثمنه سلعاً وخدمات؟ لا إجابة جدية على السؤال سوى تأكيد أن البدء بتنفيذ الاتفاق مع العراق، يمكن أن يدفع دولاً أخرى لتكرار الأمر.

بحسب مصدر حكومي، المشكلة الأساس أن الشركات العالمية ترفض التعامل مع لبنان، بعد التخلف عن دفع الديون، حتى ولو حصلت على ضمانة سيادية. فالكل يعتبر أن الضمانة الفعلية هي الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد، وإلى ذلك الحين فإن أحداً غير مستعد لدفع أي دولار في لبنان. أكثر من ذلك، حتى لو حصلت أي شركة على ضمانة سيادية من خلال قانون يقر في مجلس النواب، فإن ذلك لا يُعتبر كافياً بالنسبة للشركات العالمية لأن لا أحد يضمن عدم تعديل القوانين. ولذلك، فإن الحل الوحيد، هو في الحصول على تأمين من وكالة «miga» (وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف) التابعة للبنك الدولي، والمعنية بتقديم ضمانات ضد المخاطر السياسية للمستثمرين في البلدان النامية والمقرضين لها.

إلى ذلك الحين، تدرك الحكومة أن الحلول كلها متعثرة، وتحديداً في قطاع الكهرباء. فمحطات التغويز، بعد كثير من هدر الوقت في حكومتي سعد الحريري وحسان دياب، جمدت من قبل الشركات الرابحة للمناقصة بسبب الوضع، فيما صار مشروع توليد الطاقة النظيفة في خبر كان، بعد أن تراجعت الوكالات التي كانت أعلنت استعدادها لتمويله عن قرارها. حتى العروض التي قدمت من قبل شركة «Hydro engineering and construction» الروسية لا تزال في إطار إبداء النوايا، ولم تتحول إلى عروض جدية بعد.

يبقى عملياً مصدران، الحصول على الغاز من مصر، عبر إعادة تفعيل خط الغاز العربي، أو شراء الكهرباء من الأردن، عبر شبكة الربط العربي. المشروع الأول، تعترضه عقبتان: عقبة سياسية تتعلق بالعلاقة بين مصر وسوريا والعقوبات الأميركية على سوريا، والتي يفترض أن تحصل مصر على استثناء لها، في حال أرادت بيع الغاز إلى لبنان، وعقبة تتعلق بتضرّر الخط في سوريا في منطقة الريان ووجوب أن تقوم الحكومة السورية أولاً بترميمه (لا يصل الخط العربي إلى لبنان مباشرة بل تجري عملية استبدال للكميات بين لبنان وسوريا). أما بالنسبة لشراء الكهرباء من الأردن، فأيضاً تواجهه عقبتان: تضرر عدد كبير من أعمدة التوتر العالي في منطقة درعا، ووجوب استثناء الأردن من تبعات قانون قيصر. وفي الحالتين، تجدر الإشارة إلى أن لبنان لن يكون معنياً بمسألة العقوبات، فهو يوقّع عقداً مع مصر أو مع الأردن اللتين تدفعان لسوريا رسوم المرور.

يبقى احتمال شراء الكهرباء من سوريا وهذا غير قابل للتنفيذ حالياً، حتى لو تم تخطي عقبة العقوبات، نظراً لعدم وجود فائص في سوريا، ونظراً لكون الكلفة مقاربة لكلفة إنتاج الطاقة في لبنان. بما يعني عملياً أن الحاجة إلى الدولارات ستكون نفسها، إلا إذا تم الاتفاق مع دمشق على تسديد متأخر.

كل ذلك يقود إلى أمر واحد: لا مخارج لأزمة الطاقة في لبنان. ولذلك، فإن في الحكومة الحالية من صار يتحدث عن انقطاع التيار بشكل كلي، عاجلاً أم آجلاً، انطلاقاً من أنه حتى لو تأمن الفيول جزئياً من العراق، فإن المعامل لن تكون قادرة على العمل لفترة طويلة من دون صيانة، بخاصة أن المعامل العائمة (البواخر التركية) التي تحمل الشبكة حالياً، ستغادر في نهاية أيلول.