IMLebanon

الطاقة و”ناطور” البناية

 

السجال حول الكهرباء بات مملاً. سئم الناس سماع السردية نفسها، واتباع الأساليب إياها، كأنّ ما بلغه البلد من انحدار لا يستدعي التوقف عن تكرار تاريخ تلك «المفخرة» التي اسمها وزارة الطاقة والتي تشكل نموذجاً لألاعيب التبرير والتفسير وتغطية السموات بالقبوات. النغمة هي ذاتها على قاعدة «ما خلونا»، في الحديث المتكرر عن الحاجة إلى المال لتأمين التيار الكهربائي على يد التيار البرتقالي، في وقت المشكلة في مكان آخر.

 

يعيدنا السجال الذي دار في اليومين الماضيين بين وزارة الطاقة بورثتها وعرّابيها المتناسلين، الى ذلك السجال الذي دار منذ العام2011- 2012 حول تنفيذ خطة الكهرباء التي ينسبها الفريق العوني إلى نفسه، فيما أصل الخطة وضع قبل توليه تلك الحقيبة من قبل فريق المستشارين التابع لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2009، تمهيداً لتوليه الرئاسة الثالثة.

 

عندما سعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أعقبت تطيير حكومة الحريري باستقالة قوى 8 آذار، رفض وزير الطاقة آنذاك تمويلها من الصناديق العربية، وتحديداً من الصندوق الكويتي للتنمية، وأصر على قانون بفتح اعتماد بقيمة مليار و800 مليون دولار، من خزينة الدولة كان على الحكومة تأمينها بالدين عبر سندات خزينة، بحجة أنّ التمويل عبر الصناديق يُخضع البلد إلى شروط ومقاييس «متعبة»، بينما كانت عروض التمويل من الصناديق يفترض أن تتم على أساس قرض بفائدة 1.5 في المئة، تسدد على 30 سنة، مع فترة سماح لأول ثلاث سنوات. لكن الشروط «المتعبة» كانت تعني الرقابة على تنفيذ المشاريع وعملية التلزيم… النتيجة بات اللبنانيون يعرفونها، بل يعيشونها كل ساعة في حياتهم اليومية.

 

السجال نفسه يتكرر هذه الأيام تحت عنوان تأمين اعتمادات شراء الفيول لتشغيل المعامل من أجل حفنة من الساعات، وليس من أجل بناء معامل جديدة. وزراء «التيار» يريدون المال، وهذه المرة ليس من فرض ديون جديدة على الخزينة، بل مما تبقى من احتياطي متآكل من ودائع اللبنانيين لدى مصرف لبنان. أي من حاكمه رياض سلامة الذي يتهمه «التيار» بسرقة ونهب أموال هؤلاء المودعين، وإلا لا كهرباء.

 

تعب المعنيون في التفتيش عن أصول وماهية صفقات الفيول التي أرهقت مالية الدولة على مدى عقود من الزمن، مع غيرها من الصفقات.

 

البديل لهذا النوع من التمويل للتغذية من التيار الكهربائي كان منذ أكثر من سنة، بدلاً من الاستدانة من مصرف لبنان، أي من أموال المودعين الذين يتسولون بضع دولارات من أموالهم في المصارف، تمويل استجرار الغاز من مصر بأسعار مخفضة، والتيار من الأردن عبر سوريا بقرض من البنك الدولي، فاشترط الأخير خطوات «متعبة» يماطل وزراء الطاقة منذ سنوات في تحقيق الرئيسي منها، الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، إلّا بعد تعديل القانون لتقييد صلاحياتها في إدارة هذا القطاع، مع ما يعنيه ذلك من حصرها في يد الوزير، وما يعني كذلك بأنّ هذه الحقيبة يفترض أن تبقى في حوزة «التيار الحر» حتى بعد انقضاء عهده الرئاسي. وهو من شروط النائب جبران باسيل على أي مرشح للرئاسة.

 

فضلاً عن أن السجال الأخير ليس جديداً، فإنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعرف منذ أشهر أن الوزيرة السابقة للطاقة النائبة ندى البستاني هي التي تمسك بالملفات في الوزارة، وليس في يده تغيير هذا الواقع، باعترافه.

 

قبل أيام وأثناء استقباله الوفود المشاركة في «منتدى الاقتصاد العربي» طالبه بعض المشاركين من الاقتصاديين اللبنانيين المغتربين بأن يكون للحكومة ورئاسة الحكومة مواقف حاسمة تساهم في تشجيع المغتربين على الاستثمار. ميقاتي اشتكى في المقابل من صعوبة الوضع الذي يعانيه، وقال لمحدثيه «تتعاطون معي كرئيس للحكومة، بينما أنا حالياً «كونسيرج» (ناطور) على بناية تنهار تدريجاً. تارة نعالج قضية المياه فيها وأخرى قضية الكهرباء، وثالثة غيرها.