يستنفر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، يشرّع الحرب المفتوحة على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وكلاهما يستعرضان قوتهما. لكن المفارقة تبقى في العضلات، التي كان يجيُّرها «حزب الله» لباسيل، ولكنّه بعد الجفاء الحالي بينهما، فضّل إعارتها إلى ميقاتي.
وبموجب هذه العضلات يستمر صراع الديكة بجلسة ثانية عنوانها «ملف الكهرباء» في ظل غموض مصير سلفة الخزينة بقيمة 62 مليون دولار لشراء الغاز أويل، المعلّق على حبال السجال السياسي حول إقرار السلفة بمرسوم في مجلس الوزراء أو خارجه. فيما البواخر تنتظر في البحر وتسجِّل غرامات تأخير.
صحيح أنّ هذا الصراع لا يتجاوز كونه تحدياً، ومهما كانت نتائجه فهي لن تثمر ولن تغني عن جوع. وبالتأكيد لن تحل واحدة من أصعب الأزمات المستفحلة التي يعاني منها اللبنانيون، الذين لا يحصدون إلا العتمة.
وصحيح أنّ مواقف كل المعنيين بهذا الملف مثيرة للغثيان، وكذلك موقف «حزب الله» الشعبوي الفارغ المضمون، الذي يدّعي الحرص على مصالح الناس. ويزايد ويتحدى بقدرته على حل هذه الأزمة بقبول العروض الإيرانية، مكرراً أنّ الجمهورية الإسلامية لطالما أبدت استعدادها لحل هذه الأزمة عبر بناء معامل إنتاج تعمل على الغاز، وقدمت خطة كاملة تتضمن إلى جانب المعامل الحديثة، شبكة نقل ومراكز استقبال وتوزيع.
وأعيد طرح الموضوع خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجيتنا عبد الله بو حبيب ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي زارنا من دون رسميات أو بروتوكول، وكرر وعوده بإغراقنا بالنور والطاقة والمن والسلوى… لولا أنّ هذه العروض دونها تبعات العقوبات الدولية على إيران.
ولأنّ حبل الوعود الإيرانية قصير، فقد كاشفتنا «وول ستريت جورنال»، بمعلومات مفادها أنّ طهران عمدت إلى «تأديب» دمشق التي «تلعب بذيلها مع الأتراك برعاية روسية»، لذا أمسكت برقبة «النظام الأسدي» وضيّقت عليه في ملف صادرات النفط الإيراني إليه. وبعدما كانت تبيعها البرميل بنصف سعر السوق، أي بـ30 دولاراً، وبتوقيت دفع مرن، ومعظمه بالديْن، رفعت السعر إلى 70 دولاراً للبرميل، واشترطت دفع قيمة الشحنات المقبلة، مقدّماً ونقداً، وسط أزمة الوقود الحادة التي تعيشها سوريا.
لكن «النظام الأسدي» الذي يعاني مما يعانيه شقيقه اللبناني ليس فقط لجهة الكهرباء، ولكن لكل الجهات المنهوبة من السلطة على حساب الشعب في وحدة مسار ومصير، عالج هذه المسألة وبأفكار إبداعية يفتقر إليها الديكة المتصارعون في لبنان.
وبذكاء ودهاء قل نظيرهما، تفتق ذهن عضو مجلس الشعب السوري محمد خير العكام، عن نظرية تبرر انقطاع الكهرباء بالحرص على أموال الشعب، ذلك أنّ توفير التيار الكهربائي بشكل متواصل يفوق قدرة السوريين على تسديد فواتيره.
نقطة على السطر. بعدها لا لزوم للبحث في حلول لهذا الملف ما دامت العين بصيرة واليد قصيرة والرومنسية بسحرها تتجلى على ضوء الشموع.
ربما نصل إلى هذا المخرج. ليس في هذه المرحلة بالتأكيد، إذا لا يزال في الجعبة ما يمكن نهبه من الأموال العامة الشحيحة وأموال المودعين. وبعدها لكل حادث حديث.
وحتى يُستكمل مخطط النهب، يبقى صراع الديكة بعضلات «حزب الله» المُجيَّرَة من ضفة إلى أخرى وفق مقتضيات المرحلة، وتبقى مواصلة تعبئة الفراغ بأرانب السلطة التي لا تزال تدهشنا بقدرتها على إشغالنا بإمعانها في الظلم والتعسف والتنكيل بضحاياها.
وحتى إشعار آخر، التيارات التي ستجرف اللبنانيين وتعلّق مصائرهم على خطوط التوتر العالي لا علاقة لها بالنور والطاقة. فلا كهرباء ولا لمبة ولا فيوز يحق للبنانيين أن يحلموا بها من هذه المنظومة التي «طلعت ريحتها».