Site icon IMLebanon

تصريحات الكهرباء والأوضاع المُتكهْرِبة

 

 

مؤسسة كهرباء لبنان، «بشّرتنا» قبل يومين بأن بيروت مقبلة بعد الآن، وفي أي وقت وأي لحظة، على ظلام دامس، قد يطفيء ما تبقى من «نور الدولة» الذي ما لبت الإتّكال عليه قائما في البيوت التي طاولت سكانها آفة الجوع والعوز ومطالب الحياة المُلّحة، ولم ينقصها إلاّ مثل هذا الإنذار الرهيب من المرجع الكهربائي الأول، مشفوعا بشرح تفصيلي بأن الشبكة الكهربائية في بيروت ولواحقها مهددة بانهيار كامل ويتعذر إعادة بنائها مجددا بما يمكن أن يقضي كليا على قطاعات الإنتاج الكهربائي.

 

تضاف هذه «المأثرة» الكهربائية الجديدة إلى جملة المآثر التي أطلّت على الشعب اللبناني ممثلا خاصة بفئاته الأكثر عوزا وفقراً و«تعتيراً» إلى درجة باتت الشموع التي تنير ظلمات أيامهم ولياليهم، هي البديل الذي يقيهم من الغرق في العتمة الشاملة وظلام الحياة الدامس.

 

وبعد: ها هو ما تبقّى من دخلٍ متواضع يغطي بعض مصاريف المازوت الفاحشة الذي ما زال البديل للطاقة الكهربائية الرسمية الغائبة عن الوجود، والتي استفحلت منذ أن تسلّم وزارة الطاقة أولئك المنتمون إلى «العهد القوي»، والذي برزت قوته في «الجهود» التي بذلها وزراؤه المعروفون بانتماءاتهم وولاءاتهم وقدرتهم على ترتيب المتوجبات السلبية المختلفة التي باتت تشكل في هذه الأيام الدامسة ، معظم الديون التي يعاني منها لبنان، والتي تستمر في التهام ما تبقى من نوافل المداخيل التي يقابلها التهام شره لكل دخل وكل انتاج يمكن أن يساعد في لملمة مصائب الإفلاس الشامل الذي تعاني منه دولتنا العلية، والتي يمتنع المجتمع الدولي وفي مقدمته المجتمع الأوروبي ممثلا بفرنسا على وجه الخصوص، عن تقديم أي عون لبلادنا المنكوبة بنهب أموالها وسرقة ثرواتها من قبل غلاة المسؤولين عن «حمايتها ورعاتيها». وها هو المجتمع الدولي، يشترط مباشرةً فعلية وجدّية لعملية الإصلاح التي لا بد منها لوقف التدهور الحاد في مهاوي الإنحلال والزوال، وكل هذه المتطلبات باتت الحكومة الجديدة العتيدة، مسؤولة عن تحقّقها بسرعة قصوى أضاع حصولها وفاعليتها مسؤولون تركوا حلّ المتاعب والكوارث التي تطاول البلاد والعباد، تهوي في نيران جهنم. كل هذه السلبيات المأساوية، باتت اليوم ملقى بها في وجه الحكومة الجديدة العتيدة ورئيسها نجيب ميقاتي ، وهي الحكومة التي تعاني سلفا من انتماءات وزرائها إلى كل صنوف المسؤولين الذين سبق أن تداولوا على التهامات التحاصص التي طاولت ثروة البلاد ووسائل العيش والحياة التي تنهش في أجساد وأرواح الناس وتحجب رؤيتهم لآفاق العيش الطبيعي، وتمنعهم عن ممارسة حياة حرّة كريمة. الرئيس ميقاتي كما صرّح بنفسه للرئيس الفرنسي ماكرون، منطلق في عملية الإصلاح والتغيير الإيجابي بتصميم واندفاع علّق عليه مسيرته السياسية بأكملها بما فيه مستقبله السياسي الذي ما زال حتى الآن في عزّ اندفاعاته وعطاءاته، الا أنه وفي الوقت نفسه، ما زال محاطا بسلسلة من العوائق التي فرضت عليه حكومة ربما كانت حاملة للكفاءات والنوايا الحسنة لدى الكثيرين من وزرائها، إلاّ أنها تبقى في عمومياتها، مرتبطة بالسياسات الحزبوية التي افرزتها وضعية المحاصصة والإصرار على الإمساك، بأوضاع البلاد على النحو الذي كان والذي يتشبث به وبمكاسبه، المتحاصصون المنتمون إلى وضعيات سياسية باتت تشكل حملا ثقيلا على مسيرة البلاد وطموحاتها وأية توجهات إصلاحية قد تنحو بها إلى مسيرة الإنقاذ والخلاص. كل الدلائل تشير إلى وضعية الكهرباء التي تأتي في مقدمة المطالب الإصلاحية، تشكو من تشبث عنيف برفضٍ عنيد للهيئة الناظمة لأوضاع وزارة الطاقة ولوضعية الكهرباء الغائصة في وحول النهب والسلب والتخبط وفي بحار إغراق ميزانية البلاد بكل تلك الأعباء التي جعلت من لبنان، سويسرا الشرق السابق، في طليعة البلاد المتراجعة والمتخلفة والمهددة بشتى صنوف الإضمحلال والزوال. يكفي للتنثبت من درجة الهبوط الجهنمي، تلك الحشود اللبنانية من خيرة شباب لبنان وطليعة مثقفيهم واختصاصييهم في الطب والحقوق والهندسة والإنماء والإعمار، وقد ابتلعت وجودهم صفوف الهجرة من لبنان، تاركين البلاد لكل من تعوزهم القدرة على السفر وإيجاد أي نوع من أنواع العمل المناسب الذي يؤمن لهم ولأولادهم، إمكانات استمرارية الوجود والحياة الحرة الكريمة.

 

وبعد: «العهد القوّي» الذي يرغب في إثبات قوته بعد مرور معظم سنوات عمره المديد، يجهد حاليا في القيام ببعض الأعمال والمحاولات الإيجابية التي يرغب من خلالها في تدارك سنوات الركون والسكون بسنة أخيرة قد تكون ملائمة وكافية للقيام ببعض الخطى الإيجابية والإنقاذية وقد لا تكون، نأمل كل الأمل أن تكون الحكومة الحالية التي أطلقتها إلى الوجود بعض الجهود المشتركة مع الرئيس ميقاتي، وسيلة ناجعة للتعويض عن تلك السنوات القاحلة التي مرّت بما يُمكّن هذه الحكومة من تدارك ما أمكن سلبيا الأيام العجاف، ومن إطلاقٍ ما لضوءٍ من الأمل، عسى أن ينير للبنان واللبنانيين مسيرتهم القاسية التي يمكن أن تنتشلهم من هول القعر الرهيب الذي وصلنا إليه، وما زال هبوطه الصاعق مستمرّاً.