سيبقى موضوع الكهرباء من أهم المواضيع التي لعبت دوراً في انهيار القطاع الاقتصادي وبالأخص المالي.. حيث وصلت الديون على هذا القطاع الى 65 مليار دولار، ما يشكل 75% من قيمة الديون المتوجبة على الدولة اللبنانية الى البنوك.. ونحن لا نسرد هذه المعلومات، انتقاماً أو انتقاصاً من الجهود المبذولة من قبل بعض الوزراء في هذا الموضوع… ولكن علينا واجب هو التوعية ودق ناقوس الخطر..
بداية ثمن كيلو واط الذي نرغب بشرائه من الأردن يبلغ حوالى 12-15 سنتاً، بينما في الحقيقة نحن نملك معامل بطاقة إنتاج تصل الى 2000 ميغا، والمشكلة هنا ليس الانتاج بل التمويل… مع العلم أنّ كلفة كيلو واط من إنتاج معامل الكهرباء اللبنانية هي أقل من 12 سنتاً، فإذا ذهبنا الى دير عمار ووصول الغاز المصري فإنّ الكلفة تصل الى 7 أو 8 سنتات.
لقد مضت أشهر وما زال موضوع الكهرباء من الأردن والغاز المصري من دون حل. وفود واختصاصيون واجتماعات عديدة ودورية للبنك الدولي وما زلنا بانتظار وصول الغاز المصري والكهرباء الاردنية، واللبناني لا يزال يعاني من مشكلة انقطاع الكهرباء وتحمّل قيمة فاتورة المولّد التي أصبحت أكثر من نصف راتبه.
إنّ الموضوع العالق لغاية تاريخه ومع احترامنا لوزير الطاقة والحكومة مجتمعة، هو في عدم صدور قرار واضح عن المؤسسات الاميركية توافق على مرور الكهرباء الاردنية والغاز المصري عبر الأراضي السورية، رغم مبادرة الحكومة السورية بإصلاح خطوط الكهرباء وخطوط الغاز تسهيلاً لوصولها الى الحدود اللبنانية.
إنّ الموقف الاميركي مستغرب وخاصة في ظل الظروف التي يمر بها المواطن اللبناني وأهمية وصول الكهرباء إن كان عبر الاردن أو عبر الإنتاج في مصانعنا الوطنية، وهي أي المؤسسات الاميركية سبق ووافقت للعراق الشقيق باستجرار الكهرباء من إيران، والعراق يخضع للمقاطعة الاميركية والاوروبية كما هي الحال مع سوريا. فلماذا السماح للعراق وهو حق شرعي له ولا يسمح للبنان وهو حق شرعي له في تأمين وصول الغاز والكهرباء من الاردن ومصر عبر سوريا؟
وهنا لنا بعض الملاحظات العامة حول اتفاق استجرار الكهرباء، ومع تقديرنا للأردن الشقيق لمساعدة لبنان على توريد بين 150 و250 ميغا يومياً بسعر يتراوح بين 12 و15 سنتاً للكيلواط/ ساعة وذلك بضمانة البنك الدولي وتمويله.
السؤال هو: هل يوجد نقص في إنتاج الكهرباء في لبنان؟ أم إنّ هناك مشكلة في استيراد الفيول اويل والمازوت للمصانع العاملة في لبنان والمنتشرة من الزهراني والجيّة والزوق ودير عمار والحريشة وبعلبك والتي لديها طاقة إنتاج تفوق الـ2000 ميغا؟ أو لماذا لا يموّل البنك الدولي شراء الفيول اويل لمعملي الجيّة والزوق ولديهم قوة إنتاج أكثر من 600 ميغا اي تفوق ما يمكن استيراده من الاردن وبكلفة لا تتجاوز كلفة الكهرباء الاردنية؟ أليْس من الافضل أن يكون إنتاجنا في مصانعنا بدل الشراء من الخارج وما يترتب على هذا الشراء من مشاكل يمكن أن تواجهه من حيث الانقطاع والتعديات، وما الى هنالك من مشاكل فنية وإدارية ومالية؟
فلماذا لا يتم استعمال التمويل من البنك الدولي وهو حاجة ضرورية لتمويل مشروعي هواء عكار والإنتاج على الطاقة الشمسية مع ان المشروعين ملزمان منذ أكثر من أربع أو خمس سنوات وهي متوقفة عن العمل نتيجة عدم وجود التمويل اللازم مع العلم أنّ كلفة إنتاج الكيلوواط في كلا المشروعين لا يتجاوز الـ4 سنتات أميركية.
إنّ مشكلة الكهرباء والتي عمرها أكثر من عشر سنوات هي نتيجة عدم وجود إدارة حكيمة ورؤية واضحة ونتيجة الهدر الذي تجاوز الـ65 مليار دولار من دون إيجاد حلول، وهذه المبالغ كانت كافية لإنتاج أكثر من 40 ألف ميغا مما يؤهل لبنان لتصدير الكهرباء للخارج.
وبما اننا ذكرنا موضوع الغاز المصري في البداية فنؤكد ضرورة إنجاز هذا العقد والعمل على إيجاد حل للمشاكل الادارية والفنية نظراً لضرورة تشغيل معمل دير عمار على الغاز وهو المؤهل لذلك وسبق أن تلقى كميات كبيرة من الغاز المصري عام 2009 عبر الخط العربي من خلال الاردن وسوريا وصولاً الى دير عمار وتوقف العمل به نتيجة عدم التزام الحكومة اللبنانية بمتوجباتها المالية، رغم ان استجرار الغاز من مصر يخفض كلفة إنتاج الكهرباء أكثر من 60% مقارنة مع الديزل المستعمل حالياً.
والغريب في الامر ان الحكومة اللبنانية استمرت بتمويل شراء الديزل اويل وتوقفت عن استيراد الغاز. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية توقف الخط وأصيب بأضرار فادحة إضافة الى توقف الإمداد بالغاز المصري، ورغم وجود البديل عبر بناء محطات تغويز عائمة في دير عمار والزهراني، ولكن الخلافات السياسية في ذلك الحين ورغم رسو المناقصة على إحدى الشركات العالمية منعت من تنفيذ هذا المشروع، ولو باشرنا في حينه في بناء هذه المحطات لكنا وفرنا آلاف المليارات على الخزينة اللبنانية ولأمّنا الكهرباء بشكل دائم ومستمر وبأرخص الأسعار.
وبالعودة الى الكهرباء من الاردن، فالمؤكد ان موضوع الكهرباء في لبنان يحتاج الى تمويل لشراء الفيول اويل والديزل ومتى توفر هذا التمويل فيمكن إعادة العمل بمنشآتنا الوطنية بعد العمل على صيانة قسم منها، ويمكنها حين ذلك تأمين أضعاف ما يمكن استجراره من الاردن.
الحكومة اليوم رمت كرة النار الكهربائية في حضن مجلس النواب، فهل يتجرّأ على فرض حل نهائي على مؤسسة كهرباء لبنان وإقرار الهيئة الناظمة وإقرار محطات التغويز وإعطاء الافضلية لموضوع الكهرباء وهي من الضروريات وليست من الكماليات وتأثيرها يطال مجمل القطاعات الاجتماعية كما القطاعات الصناعية والسياحية والاستشفائية.
مع تحيات اصحاب المولدات.