لا يزال ملف الكهرباء يشكل الأزمة الكبرى في المالية العامة للدولة، بعدما وصل الدعم السنوي الى ملياري دولار، رغم انّ التيار الكهربائي غير مؤمّن سوى ضمن برنامج تقنين قاس. فهل انّ كلام رئيس الحكومة المُستجد يؤشّر الى بدء المعالجة الجدّية مع مطلع العام الجديد؟
أعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أمس، في مؤتمر اقتصادي في بيروت، أولى الخطوات التي ستعتمدها الحكومة الجديدة، عندما تحدّث عن «نيته خفض الدعم الذي تدفعه للطاقة بنحو 600 مليون دولار في عام 2019».
هذا الموقف طرح علامات استفهام تساءلت: من أين سيتم خفض هذا الدعم؟
مصدر في كهرباء لبنان قال لـ«الجمهورية» انّ المقصود في كلام الحريري يمكن تفسيره باحتمالين: امّا انه يريد أن يخفّض فاتورة الطاقة عبر رفع تعرفة الكهرباء، وإمّا عبر التحوّل من الفيول الى الغاز.
في ما خَصّ رفع التعرفة، أكد المصدر انّ مؤسسة كهرباء لبنان ترحّب بهذه الخطوة، خصوصاً انها لطالما كانت تنادي باللجوء الى اعتمادها، كون تعرفة الكهرباء المعتمدة اليوم لا تزال وفق تقدير سعر برميل النفط ما بين 15 الى 20 دولاراً، أي بما يعني انّ المؤسسة تبيع سعر الكيلوات بـ 135 ليرة لبنانية. امّا اذا اردنا أن نحتسب التعرفة التي تحقق التوازن المالي وفق سعر برميل نفط يتراوح ما بين 50 الى 60 دولارا، فيجب ان تكون 300 ليرة لتكون التعرفة عادلة، أي ما يعني أكثر من الضعف. وفي مقارنة بسيطة مع تسعيرة أصحاب المولدات المعتمدة اليوم مع تركيب العدادات، يتبيّن انّ أصحاب المولدات يبيعون الطاقة بسعر 480 ليرة/كيلوات ساعة، بينما المؤسسة تبيعها بقيمة 135 ليرة، كما انّ أصحاب المولدات يستوفون رسماً ثابتاً على كل 5 امبير بما بين 22-23 الف ليرة، فيما تستوفي مؤسسة كهرباء لبنان 11 الف ليرة عن كل 15 امبير.
وأشار المصدر الى انّ هذه المقارنة كفيلة بإظهار الغبن اللاحق بمؤسسة كهرباء لبنان. وبالانتقال الى الحل المقترح باللجوء الى الاعتماد على الغاز، أكد المصدر انّ معامل مؤسسة كهرباء لبنان هي في غالبيتها جاهزة للعمل على الغاز، وهي أُنشئت على هذا الاساس. الّا انّ هذا التحوّل كان في انتظار قرار يصدر عن الحكومة يقضي بإنشاء محطات لتسييل الغاز في البحر، وتحويلها الى المعامل. ولفتَ الى انّ التحول من الفيول اويل المعتمد حالياً الى الغاز كفيل بتأمين وَفر بنسبة تتراوح ما بين 30 الى 40 في المئة، وبالأرقام يقدّر هذا الوفر بنحو 600 مليون دولار، أي الرقم الذي يتحدث عنه الحريري.
ورداً على سؤال، إستبعد المصدر أن يكون الحريري يقصد بكلامه خفض ميزانية المؤسسة، الأسلوب الذي اعتمد خلال العام الجاري وأدّى الى خفض التغذية بشكل لافت قاربَ التعتيم، قبل أن تتأمّن سلفة لسدّ النقص. فالحريري قال إنه ينوي خفض 600 مليون دولار، وبالتالي كأنه يلمّح الى خرق جدار أزمة الكهرباء والتوجّه نحو حل للأزمة وليس تأزيمها.
كلفة الكهرباء
لا تزال أزمة الكهرباء تعتبر الهاجس الاكبر والاساسي في ميزانية الخزينة، وتؤكد كل المؤسسات المالية انّ إصلاحها هو ممر أساسي للبدء بإنقاذ الاقتصاد. وقد أظهرت الإحصاءات الاخيرة، الصادرة عن وزارة المالية، زيادة في حصّة التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان إلى 12.11 في المئة من النفقات الأوّلية الاجمالية للحكومة في الأشهُر الستة الأولى من العام الحالي، مُقابل حصّة 12.56 في المئة في الفترة نفسها من العام 2017.
كما سجّلت زيادة سنويّة بنحو 181.8 مليون دولار في تحويلات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان لتصِل إلى 1113 مليار ليرة (738,3 مليون دولار) خلال فترة الأشهر الستة الأولى من العام 2018، مقابل 839 مليار ليرة (556,6 مليون دولار) في الفترة ذاتها من العام المنصرم، أي بزيادة نسبتها 32.8 في المئة.