بالمبدأ، لن تحلّ العتمة نهاية الشهر الحالي، كما سبق لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أن حذّر في ما لو رفض مجلس النواب اقرار سلفة خزينة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، بعد نفاد الوفر الباقي من سلفة العام 2020 والتي كانت قيمتها 1500 مليار ليرة. إذ إنّ اللجان المشتركة، وكما كان متوقعاً من مسار الأيام الأخيرة وافقت على السلفة المطلوبة ولكن بعد تقليصها من 1500 مليار إلى 300 مليار ليرة أو 200 مليون دولار، على اعتبار أنّ مصرف لبنان هو من سيغطي الفارق بين السعر الرسمي للدولار وبين سعر السوق الموازية.
ويفترض أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري قريباً إلى جلسة تشريعية لاقرار هذه السلفة، وفق خريطة التصويت التي شهدتها جلسة اللجان المشتركة، والتي انحصر فيها الصوت الاعتراضي بكتلة “القوات” و”اللقاء الديموقراطي”، وذلك لكي تتمكن وزارة الطاقة من اجراء مناقصة شهرية وفق آلية العقود الفورية لتأمين الفيول للأشهر المقبلة.
وفق حسبة بسيطة، يتبيّن أنّ السلفة التي أقرتها اللجان أمس، بالكاد تكفي لتغطية ثلاثة أشهر من انتاج مؤسسة كهرباء، كما يؤكد أحد المعنيين مشيراً إلى أنّ المؤسسة ستعتمد التقنين المشدد لكي تتمكن من “مغط” هذه السلفة إلى حدود ثلاثة أشهر، خصوصاً وأنّ سعر برميل النفط الى ارتفاع عالمياً، وبالتالي ستزداد الكلفة على مصرف لبنان أكثر، في ضوء سؤال مركزي لم يجد النواب من يجيب عليه كون مصرف لبنان لم يكن ممثلاً في الجلسة: هل لا يزال بامكان مصرف لبنان تأمين الدولارات الطازجة لدعم الفيول؟
على الورقة والقلم، يتبيّن أنّ مبلغ الـ300 مليار ليرة التي أقرتها اللجان باتت تساوي وفق سعر الدولار على أساس 15 ألفاً، 20 مليون دولار، فيما السلفة أقرت على أساس السعر الرسمي أي 1515، أي 200 مليون دولار، وبالتالي مطلوب من مصرف لبنان تغطية الفارق، أي 180 مليون دولار. وطالما أنّ الدولار الى تصاعد جنوني، فهذا يعني أنّ مصرف لبنان سيتكفل بالسلفة بكاملها تقريباً. وإلا لا كهرباء.
قبل دخول الجلسة، تولى النائب علي خريس الاجابة على السؤال حيث أشار إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغ رئيس مجلس النواب بأنّ احتياطيه من العملات الأجنبية بلغ الحضيض، ما يعني أنّه قد يضطر للجوء إلى الاحتياطي الالزامي لدفع المستحقات بالدولار، والاحتياطي الإلزامي يعني ودائع الناس. ولكن عاد خريس ونفى ما أدلى به تحت عنوان أنه تمّ تحوير كلامه.
بعد ساعات قليلة صدر كلام عن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني قال فيه إنّ “لدى مصرف لبنان 16 مليار دولار منها 1.5 يمكن استخدامها للدعم وهو ما يكفي لأقل من 3 أشهر”.
ومع ذلك، تقول مصادر مطلعة إنّ ما نشهده اليوم هو حرب مالية بكل ما للكلمة من معنى على خلفية الصراع الحاصل حول تأليف الحكومة، وقد انضم قطاع الكهرباء إلى حلبة الصراع، لكن مصرف لبنان لا يستطيع تحمّل مسؤولية عدم سداد السلفة لكونه يعرف جيداً أنّ البديل سيكون العتمة، لأن المولدات الخاصة لن تتمكن من تغطية النقص، ولا حتى المكلفين باستطاعتهم تحمل هذا العبء المالي. لذلك، سيتم تسديد هذه السلفة بالقطارة من جانب مصرف لبنان حتى لو ازدادت حدّة تقنين التيار الكهربائي.
المفارقة المضحكة – المبكية، أنّ وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، التي تعدّ بمثابة “وصيّة” على الوزير الحالي، سارعت فور اقرار السلفة إلى التغريد عن أهمية تأمين السلفة، وقالت في سلسلة تغريدات لها: “عملية حسابية بسيطة للمواطنين: اذا الدولة دعمت الكهرباء عبر مساهمة بـ 1500 مليار ل.ل. لتأمين 12 ساعة كهرباء بالنهار بتطلع فاتورة 15 أمبير زائد اشتراك الـ5 أمبير لـ12 ساعة حوالى 220000 ل.ل بالشهر. اذا رفض مجلس النواب المساهمة بتطلع فاتورة المولد للـ5 أمبير لـ24 ساعة حوالى 500000 ل.ل”.
وتكمن المفارقة في كون “التيار الوطني الحر” بنى كل استراتيجية دفاعه عن هدر أكثر من 40 مليار دولار في قطاع الكهرباء، على فكرة أنّ هذا الهدر يعود إلى كون الدولة ومنذ العام 1994 سعّرت الكيلواط على أساس برميل النفط بـ20 دولاراً، وقررت أن تدعم هذه التسعيرة بِغض النَظر عن إرتفاع سعر البرميل الذي وصل مرات عدة الى ما فوق الـ100 دولار، ما يعني أن الدولة تبيع الكهرباء بأرخص من كلفتها كي تساعد أصحاب الدخل المحدود بدفع فواتيرهم. وها هي تسوّق لسياسة الدعم (السلفة هي عبارة عن مساهمة، أي دعم)، التي يفترض أنّها وفريقها السياسي ترذلها وتحمّلها مسؤولية العجز في ميزانية الدولة… لا بل تسوقها على طريقة “حسابات الدكنجية” من خلال اعتبارها أنّ فاتورة الكهرباء ستقفز من 220 ألفاً إلى 500 ألف في حال وقف الدعم، وتناست كلياً أنّ الدعم سيدفع أيضاً من جيوب اللبنانيين وما تبقى من ودائعهم، بسبب فشل سياسات الطاقة على مدى عقود من الزمن. بمعزل عن السؤال الأساسي: لماذا لم يتمّ استبدال الفيول بالغاز؟ وقد سارع عضو مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان طارق عبد الله للردّ عليها عبر “تويتر” قائلاً: “على هذا المنوال تصبح العملية الحسابية البسيطة هي كالتالي: المليار دولار سلفة تساوي اليوم 15000 مليار ل.ل. وعدد مشتركي كهرباء لبنان حوالى مليون ونصف المليون مشترك، أي باستطاعة الدولة اعطاء كل مشترك مبلغ 850 ألف ل.ل. شهرياً يمكنه خلالها شراء 35 تنكة مازوت شهرياً على السعر الحالي!”.