Site icon IMLebanon

الكهرباء مشكلة مستعصية أم قابلة للحل؟

نهار الثلثاء 29/ 9/ 2015 انعقد اجتماع في مبنى مكاتب النواب، لمراجعة قضايا الكهرباء في العمق، حضره وزير الطاقة أرتيور نظاريان، ووزير المال علي حسن خليل، وعلى الأقل 12 نائباً موزعين بين نواب 14 آذار ونواب “التيار الوطني الحر” ونائبين مستقلين.

وقبل الاجتماع الذي دعا الى عقده رئيس لجنة الاشغال والطاقة في مجلس النواب محمد قباني، اصدرت كتلة “المستقبل” النيابية كتيّباً بعنوان “الكهرباء، القطاع الرهينة (1993 – 2014)” بدا كأنه يرد، على مستوى الكهرباء على كتاب عضو كتلة “التيار الوطني الحر” النائب ابرهيم كنعان الذي صدر قبل سنتين أو أكثر بعنوان “الإبراء المستحيل”. وكان هذا الكتاب يندد بالانفاق وارتفاع الدين العام في ظل حكومات الرؤساء رفيق الحريري وفؤاد السنيورة وسعد الحريري، من غير أن يتوقف الكاتب اطلاقاً عند مدى العجز المرتبط بتغطية عجز كهرباء لبنان خلال سنوات تولى فيها وزارة الطاقة والمياه وزراء محسوبون على”التيار الوطني الحر” أو الرئيس إميل لحود، باستثناء الوزير محمد فنيش الذي تولى وزارة الطاقة سنة وأربعة اشهر تقريباً من 19/ 7/ 2005 الى 11/ 11/ 2006 وحقق انجازات على صعيد توفير مادة المازوت من الجزائر والكويت بشروط ميسرة ومناسبة.

ويبقى ان 30 في المئة من تراكم الدين العام يعود الى التحويلات من وزارة المال الى مؤسسة الكهرباء والفوائد التي نتجت من هذه التحويلات خلال تولي وزراء الطاقة من التيار أو الرئيس لحود.

عام 2011 صدر القانون رقم 181 في تاريخ 5/ 10/ 2011 ونشر في الجريدة الرسمية في تاريخ 13/ 10/ 2011 وبموجب هذا القانون أقر عقد اجمالي مقداره 1772 مليار ليرة لبنانية اي ما يقل قليلاً عن 1,2 مليار دولار، وافترض ان هذا المبلغ سيمكن وزارة الطاقة من زيادة قدرة التوليد بما يساوي 700 ميغاوات تكفي لتأمين الكهرباء على مدار الساعة مع انجاز بعض اعمال الترفيع في محطتي الزوق والجية. وافترض القانون تشكيل هيئة تنظيم الكهرباء خلال ثلاثة أشهر بناء على اقتراح وزير الطاقة والمياه، وتعيين ادارة مؤسسة كهرباء لبنان خلال مدة اقصاها شهران.

ما الذي تحقق منذ تاريخ اصدار هذا القانون أي منذ أربع سنوات بعد يومين من تاريخ نشر هذا المقال؟

تم تلزيم انجاز محطتي تحويل بطاقة 78 ميغاوات في محطة الجية و194 ميغاوات في محطة الزوق، لكن اعمال التنفيذ تأخرت بسبب التعقيدات الادارية وافتراض مراجعة ديوان المحاسبة لأي تعديلات على العقود.

والنتيجة اننا سنحصل على التطوير في محطة الجية في الشهر الاول من السنة المقبلة (2016) وعلى التطوير في محطة الزوق في شهر تموز المقبل (2016) ولا يخفى ان عقد استئجار باخرتين تركيتين لإنتاج 270 ميغاوات انجز عام 2013 لفترة ثلاث سنوات.

اذا افترضنا انجاز الاعمال في التواريخ المحددة، ووزير المال أكد أن غالبية المستحقات دفعت ولا يترصد سوى 55 مليون أورو متوافرة للتسديد حين انجاز الاعمال واختبار فاعلية معملي التحويل، واذا افترضنا ان عقد الباخرتين الذي ينتهي في 2016 تجدد، يبقى لبنان دون مستوى تحقيق الوعود بتوافر 700 – 750 ميغاوات اضافية من طاقة الانتاج، فما هو السبب؟

عام 2013 انجز عقد لإنشاء معمل بطاقة 480 – 500 ميغاوات في منطقة البداوي حيث يقوم معمل انجز قبل 18 سنة بطاقة 450 ميغاوات، والمعمل القديم والجديد يمكن تشغيلهما على الغاز أو المازوت وبالطبع الغاز أوفر بكثير. لكن العمل على انشاء هذا المصنع متوقف لخلاف على ما اذا كان على الشركة المتعاقدة تسديد 72 مليار ليرة لبنانية ضريبة على القيمة المضافة أم لا.

وقضية الكهرباء على أهميتها الكبرى لا تحظى بالاندفاع الانجازي لتحقيق الاهداف الموعودة لأن آلية تنفيذ المشاريع في لبنان شبه متوقفة، ولنعط ثلاثة أمثلة على وقائع تعيق تحقيقنا لهدف حققته بنغلادش كما الاردن.

منذ التسعينات كانت منافع تركيب العدادات الالكترونية التي تسمح بقياس الاستهلاك من بعد، وقطع الكهرباء عن المشتركين الذين لا يسددون اشتراكاتهم واضحة. وكاتب هذا المقال وجه مذكرة في هذا الموضوع الى الوزير الياس حبيقة، رحمه الله، عام 1998 وبيّن منافع هذه العدادات التي كانت تستعمل في باريس ولندن وتصنع بكلفة معقولة في الهند، ولم يحصل شيء سوى شراء نحو 1400 عداد من هذا النوع في السنتين المنصرمتين واهتراء العدادات نتيجة عدم التركيب والاستعمال.

عام 2005، قبل عشر سنين، وبمبادرة من الرئيس السنيورة تشكلت لجنة من ستة اختصاصيين بينهم رئيس مجلس الخدمة المدنية لمقابلة مرشحين لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء وأجريت المقابلات – التي سبقها نشر اعلانات في الصحف المحلية والاجنبية لاستقطاب اصحاب الكفايات – مع المرشحين واختير 12 مرشحاً وقدمت توصية الى مجلس الوزراء، ومن ثم حالت التطورات السياسية دون اتخاذ قرار. واليوم يجرى البحث في تشكيل هذه الهيئة الناظمة من جديد، فهل ننتظر عشر سنين أخرى.

عام 2005 أيضاً، عرضت قطر بواسطة وزير النفط والغاز عبدالله العطية انشاء مصنع لاستقبال الغاز المسيّل في طرابلس، ومن ثم تحويله الى غاز طبيعي للاستعمال في معمل البداوي، وربما من بعد في معمل الجية، وكان الثمن المقترح دولارين لكل الف قدم مكعب من الغاز وكل 6000 قدم توازي بالطاقة الحرارية برميل نفط، أي ان الكلفة كانت توازي بأسعار اليوم أقل من ربع كلفة النفط الخام، والواقع ان برميل المازوت، المادة المستعملة في انتاج كهرباء لبنان، توازي كلفته 70 دولاراً.

كانت قطر قد حققت أكبر طاقة لتصدير الغاز المسيل في العالم في ذلك التاريخ ولا تزال، وكان العرض يسري لفترة 25 سنة، ولو اخذنا به قبل عشر سنين لكان الدين العام أقل مما هو الآن بـ15 مليار دولار. لكن هجوم السماسرة للقاء الوزير القطري الذي يتمتع بأخلاق رفيعة دفعه الى مغادرة البلد من غير أن يعقد أي اتفاق.

اليوم هنالك عرض من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي لإنشاء معمل لإنتاج الكهرباء يسمح بكفاية حاجات طرابلس وجوارها، والمساعي متنوعة لإنعاش طرابلس، وقد أبدى المبادرون استعداداً لشراء اسهم شركة قاديشا التي هي تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، والقانون يسمح بمبادرة كهذه، والمدخل الأفضل هو تأمين شراء الأسهم، واعطاء نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي فرصة توفير التيار الكهربائي وربما عن سبيل استيراد الغاز المسيل ومن ثم تحويله الى غاز لقيم يؤمن الوفر ونظافة الاجواء. فهل نرى مبادرة من وزير الطاقة والمياه بتقديم توصية الى مجلس الوزراء بالموافقة على مشروع ميقاتي والصفدي؟ نرجو ذلك اذا كان لنا أن نأمل بالفعل في تأمين الكهرباء بأفضل الأسعار والشروط لثانية كبرى مدن لبنان التي تستحق الاهتمام.