IMLebanon

خطة الكهرباء: الشبهات تحيط بالعقود الرضائية

يوجد عجز كبير بين الطلب على الكهرباء والإنتاج المتاح عبر مؤسسة كهرباء لبنان. يظهر هذا العجز في التقنين الذي يبلغ خارج بيروت الإدارية نحو 12 ساعة يومياً، ما يضطر السكان إلى سد العجز بواسطة المولدات الخاصة. هذا الواقع يفرض أن يكون هدف أي خطّة هو زيادة الإنتاج، وهذا لا جدال فيه، إنما الجدال في «الكيفية» و«الكلفة» و«صراع المصالح»… وسعي النافذين الدائم إلى تحقيق منافع خاصة في ظل الفوضى والفساد. ينطبق كل ذلك على ما يجري الآن على صعيد خطّة الكهرباء، التي عرضها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، ووافق عليها مجلس الوزراء بشرط العودة إليه لإقرار كل بند من بنودها

طالما وُسم ملف الكهرباء بشبهات الفساد، عبر توقيع عقود ومنح تلزيمات لشركات تدور في فلك النافذين. وطالما اعتُمدَت أساليب ملتوية لضمان فوز شركات معينة في المناقصات واستدراجات العروض، التي تجري غالباً خلافاً للأصول القانونية، ومنها العقود بالتراضي.

هذه الشبهات أصابت خطة وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل منذ البداية، وكانت محور ملاحظات واعتراضات شهدتها جلسة مجلس الوزراء، وطاولت بنود الخطة، تحديداً الأول والخامس، وهوية الشركات ذات الصلة بهذين البندين.

في التفاصيل، نصّت الخطة في بندها الأول على استئجار طاقة من باخرتين بقدرة 800 إلى 1000 ميغاوات في خلال صيف 2017، وإنشاء كافة الأعمال اللازمة من كاسر أمواج، وربط البواخر على الشبكة وتقوية قدرة الشبكة على استيعاب الطاقة الإضافية وتصريفها من خلال محطات تحويل رئيسية نقالة (عدد 5) وإنشاء خزانات للوقود عائمة في كل من معملي دير عمار والزهراني من طريق طريق استدراج عروض. وتحدث وزير الطاقة والمياه عن عرض من شركة «كارادينيز» التركية لتوفير باخرتين، بكلفة إجمالية تبلغ 850 مليون دولار على 5 سنوات، تُغطّى من خلال رفع تعرفة مبيع الكهرباء.

تضمنت الخطة عرضاً واحداً للشركة التركية التي يمثلها نائب رئيس تيار المستقبل

الشبهة الأولى في هذا البند، أنَّ الخطة تضمنت عرضاً واحداً، هو عرض الشركة التركية، التي يمثلها نائب رئيس تيار المستقبل، سمير ضومط. وتردد في مناسبات عدّة أنَّ هذه الشركة جاهزة لإرسال الباخرتين فوراً إلى لبنان، بما يوحي بوجود اتفاقات مسبقة في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أنَّ أحد النواب الذين يعملون في مجال الأعمال، أبلغ جهة رسمية لبنانية أنَّ «الباخرتين هما غب الطلب، وجاهزتان للسير باتجاه لبنان في أي لحظة»! على أي حال، رفض مجلس الوزراء تنفيذ هذا البند عبر عقود رضائية، وأصرّ رئيس الجمهورية ميشال عون على خضوع عملية التلزيم لأحكام قانون المناقصات العمومية. إلا أنَّ الشبهة لم تنتفِ في ظل وجود المهل القصيرة للتلزيم، وهي بحسب الخطة لا تتجاوز الشهرين أو الثلاثة، فضلاً عن أنَّ هذه المهل تعطي أفضلية لشركة «كارادينيز» على أي شركات منافسة يمكن أن تتقدم إلى المناقصة، لكونها تمتلك المعلومات عن الشبكة، إذ إنها تشغِّل الباخرتين الموجودتين حالياً.

وأثارت مصادر وزارية مسألة المهل، ورأت أنَّ إجراء مناقصة شفافة شبه مستحيل من الناحية العملية في خلال فترة ثلاثة أشهر. إذ إنَّ هذه المدة القصيرة لا تسمح بالاحتفاظ بمبدأ الشفافية والفرص المتكافئة من خلال استدراج عروض، يتضمن إنجاز وتطبيق كل الأعمال التي يتطلبها تشغيل الباخرتين وضمان تشغليهما. وأشارت إلى أنَّ توفير محطات تحويل رئيسية وتجهيزها في المعمل عبر شركات عالمية كفوءة يستلزم فترة لا تقلّ عن أربعة أشهر. وأثارت مسألة إبرام العقد لمدّة خمس سنوات، مشيرة إلى أن ذلك يتناسب مع مصلحة الشركات، لا مصلحة الدولة. ورأت أنَّ التحليل المالي لقيمة العقد يظهر أنَّ السعر مرتفع قياساً بالمدّة، مشددة على ضرورة توفير شروط التنافس التي من شأنها أن تنعكس خفضاً في الأسعار.

نصت الخطّة في البند الخامس على إنشاء معامل طاقة شمسية، من خلال عرض قدّمه تحالف شركات «غروث ــ تسلا ــ إينرتك ــ غروبو»، ما ينطبق على البند الأول ينطبق على هذا البند لجهة وجود عرض واحد وسعي لإبرامه عبر اتفاق رضائي. إلا أنَّ الشبهات الإضافية نتجت في خلال شرح أبي خليل لهذا البند في جلسة مجلس الوزراء، إذ لم يتطرق إلى شركة «غروث»، بل حاول «تضييع» الحاضرين بالتركيز على شركة «تسلا» المعروفة في الدول العربية، مشيراً إلى أنه «يجب علينا توقيع عقود معها نظراً إلى كونها معروفة عالمياً». وأثار عدد من الوزراء في الجلسة هذه المسألة عبر توضيحهم أنَّ الخطة لا تطلب الموافقة على عقد مع «تسلا»، بل مع «غروث هولدينغ». بحسب المعلومات، حاول الوزير أبي خليل التهرب بالقول إنَّ «هذا البند ليس مهماً، نحن ذكرنا اسم الشركة على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن تغييره»، مشيراً إلى تلقيه 177 عرضاً في مجال إنشاء معامل بالطاقة الشمسية.

يكفي البحث عبر «غوغل» عن شركة «غروث» ليتبين أنَّ هناك أساساً لرسم الشبهات. إذ يتبين أن «غروث» هي شركة أميركية، لم يمضِ على تأسيسها سنتان (19 آذار 2015)، ويملكها فيليب خليل زيادة، المعروف في مجال البناء العقاري، وله علاقة تأسيسية مع العشرات من الشركات. (http://appletonlv.com/president-and-ceo). ويظهر البحث أنَّ الشركة تقدّم معلومات مغلوطة عن عملها. ففيما تدعي أنها شاركت في إنجاز مشروع «toponah crescent dunes» في أميركا (بحسب المستندات المدرجة ضمن الخطة)، تبيّن أن منجز المشروع كان «solarreserve and ACE COBRA»، كما ذكر على موقع (https://en.wikipedia.org/wiki/Crescent_Dunes_Solar_Energy_Project). وتدعي الشركة وجود شراكة مع مؤسسات دينية لبنانية لتأمين أراضٍ للمشروع (عبر رسائل مدرجة أيضاً ضمن الخطة)، ليتبين من خلال المستندات التي قدمها الوزير أبي خليل وجود رسالة من هذه المؤسسات تبدي فيها اهتمامها بدعم مشروع الطاقة الشمسية من دون ذكر شركة «غروث هولدينغ». كذلك إنَّ العرض المقدَّم من الشركة بموجب كتاب بتاريخ 27 شباط 2017 (مدرج ضمن الخطة)، يعود إلى شهرين فقط من عرض الخطة في مجلس الوزراء. أمّا اتفاق «غروث» مع شركة «تسلا»، فهو يخولها بيع منتجاتها في لبنان، وليس عرض تحالف أو ائتلاف لتنفيذ مشروع بهذا الحجم.

ماذا عن «تسلا» نفسها؟ يتبين من البحث أنها شركة سيارات أميركية نشأت عام 2003، تصنّع سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية فقط دون الحاجة إلى البنزين. وهي تتعاون حالياً مع شركة (موبيلي) الإسرائيلية لتطوير تقنيات السيارات دون سائق في الأجيال المقبلة من السيارات الكهربائية، ويتداول معلومات عن استفادتها من محطات الشحن التي شيدتها شركة (بيتر بليس) الإسرائيلية كذلك!

لا يقتصر هذا البند على الشبهات، إذ من المعروف أن هذه المعامل لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تحتاج إلى مساحات واسعة من الأراضي. فالمطروح هو إنشاء محطة لإنتاج 1000 ميغاواط، في حين أنَّ أكبر محطات الطاقة الموجودة في العالم وفي دول كبيرة لا تتجاوز قدرتها 600 ميغاوات، مثل محطة «نور1» للطاقة الشمسية في المغرب التي دُشِّنَت في العام الماضي، كمرحلة أولى من مشروع سيكون الأضخم في العالم، فهذه المحطة تمتد على مساحة 450 هكتاراً، وتضم نصف مليون من المرايا العاكسة ولا تنتج سوى نحو 160 ميغاوات من الكهرباء. وبحسب هذا المشروع، ستُستهلَك مساحة 3000 هكتار في النهاية، لإنتاج 580 ميغاوات من الكهرباء، وإمداد مليون منزل مغربي بالطاقة النظيفة، بحسب ما أعلنته الوكالة المغربية للطاقة الشمسية عند إطلاق المشروع.