انطلقت الخطوات العملية لبناء معامل الكهرباء. الخطوة الأولى تتعلق بتصنيف الشركات المؤهلة للمشاركة في المناقصة. لكن يتبيّن أن إشكالات عديدة تواجه هذه الخطوة، أبرزها أن عملية التصنيف مبنية على مرسوم استثنيت منه صفقات أشغال وتجهيز وتركيب مراكز توليد الطاقة الكهربائية. وعليه، هل تخاطر الوزارة بتعريض عملية التصنيف للطعن أم تعمد إلى سدّ تلك الثغرة القانونية قبل فوات الأوان؟
عندما أعلنت وزيرة الطاقة ندى بستاني بدء قبول طلبات التصنيف للشركات الراغبة في تطوير مشاريع لإنشاء معامل لإنتاج الكهرباء وفق صيغة IPP (المنتج المستقل للطاقة)، برزت إلى الواجهة مجموعة ملاحظات تتعلق بآلية إجراء المناقصة وبتوجهات الوزارة. واحد من الأسئلة التي ترددت، ولا تزال، يتناول مبدأ تصنيف الشركات. لماذا لجأت الوزارة إلى التصنيف وليس إلى التأهيل، كما العادة عند طرح مناقصة تتعلق بصفقة محددة؟ لماذا لم تترك الأمر إلى دفتر شروط المناقصة الذي يحدد تلقائياً مواصفات الشركات التي يحق لها المشاركة، كما حصل في مناقصة دير عمار 2؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن التصنيف يشمل، بحسب المرسوم الرقم 3688 الصادر في 25/1/1966، الذي تعتمده الوزارة، الشروط الواجب توافرها في الشركات، لتسجل في لائحة المتعهدين الذين يحق لهم الاشتراك في تنفيذ بعض الصفقات العائدة للأشغال العامة، والتي تتطلب كفاءات خاصة. وغالباً، كل الوزارات والمؤسسات العامة، لديها لوائح تصنيف للمتعهدين، وهي لوائح تتعرض لانتقادات كثيرة مرتبطة بطريقة التصنيف وآلياته. ولذلك، يتم حالياً البحث في آليات جديدة، تُدرس بالتنسيق مع نقابة المتعهدين ونقابة المهندسين. في المقابل، فإن التأهيل يتناول صفقة محددة تطرح للمنافسة دولياً، وهي المرحلة الأولى من مناقصة تطلق عادة لهذه الغاية. ومن الأمثلة على ذلك مناقصة النفط، التي سبقتها مرحلة تأهيل الشركات، التي يحق لها المشاركة في المناقصة، ومناقصة محطات الغاز، التي استبعدت من التقديم إليها كل الشركات التي لم تنجح في مرحلة التأهيل.
ثمة فارق آخر بين الأمرين، فالتصنيف يجري غالباً في الوزارة المعنية، فيما التأهيل يتم عبر الجهة المولجة إطلاق المناقصة. على سبيل المثال، أطلقت منشآت النفط مرحلة التأهيل لمناقصة محطات الغاز لأنها هي التي أطلقت المناقصة وليس وزارة الطاقة. كذلك، فإنه لو اعتمد التأهيل لمناقصة معامل الكهرباء، لكان على إدارة المناقصات، المولجة إطلاق المناقصة، أن تنفذ مرحلة التأهيل. لكن بما أن الوزارة ارتأت أن يكون التصنيف هو المتّبع، فإن العملية أصبحت تلقائياً من صلاحيتها. لكن هل فعلاً التصنيف هو الطريقة القانونية المناسبة لهذا النوع من الصفقات؟ وإلى أي مدى يصبح اتهام الوزارة بأنها تقوم بتأهيل مقنّع للشركات واقعياً؟
تصنيف لا تأهيل
بالنسبة إلى وزيرة الطاقة ندى بستاني، يراعي التصنيف المعتمد على المرسوم 3688 أعلى معايير الشفافية وهو تم بإشراف شركات استشارات عالمية، مؤكدة أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها تصنيف شركات لإنشاء معامل الكهرباء، إذ سبق أن حصل ذلك، عند بناء معملي الذوق والجية. كما تشير إلى أنه تم التنسيق مع إدارة المناقصات بهذا الشأن، علماً بأن مصادر الإدارة اكتفت، لدى سؤالها عن موقفها من عملية التصنيف، بالإشارة إلى أنها لا تعطي رأياً بملف غير معروض عليها.
«الطاقة تبني عملية التصنيف على مرسوم لا يشمل أشغال الكهرباء
من جهة أخرى، توافق بستاني أصحاب الرأي الذي يشير إلى عدم جواز تصنيف المتعهدين للقيام بصفقة واحدة حصراً. وتعلن أن التصنيف الذي أعلنت عنه مرتبط بكل مناقصات إنشاء المعامل التي تنوي الوزارة إطلاقها في المرحلة المقبلة، ولا يتعلق بمعمل واحد أو صفقة واحدة.
أما بشأن طريقة توزيع عملية تصنيف الشركات، فتوضح وزيرة الطاقة أن توجه الحكومة نحو الشراكة بين القطاعين العام والخاص يفرض تقسيم الأعمال المرتبطة بعقود IPP إلى فئات مختلفة. ولذلك تحديداً، فإن التصنيف يميّز بين الشركات المطوّرة (Developer) وتلك الخاصة بالتشغيل والصيانة (O&M) أو المزودة بالطاقة (Energy Supply Company) والمتعهدة التي تعنى بالبناء والتجهيزات الهندسية (EPC). كما تميز شروط التصنيف بين المطوّر الرئيسي والمطور الثانوي. ففي الحالة الأولى، يُفترض أن تكون الشركة قد سبق لها أن بنت معملاً، وحدها أو كشركة رئيسية في تحالف شركات، بقدرة لا تقل عن 800 ميغاواط، عبر عقود BOT أو BOOT أو DBO أو DBOT، بينما المطور الثانوي يفترض أن يكون قد ساهم في إنشاء معامل لا تقل قدرتها عن 300 ميغاواط.
ثمة إشكالية تطال هذا التقسيم، فالجدول الرقم 4 المرفق بالمرسوم الرقم 3688، والذي يتعلق بالكفاءات المطلوبة للتسجيل في فئة متعهدي صفقات «المشاريع الكهربائية» لا يتناول كل الفئات المطروحة وفق التصنيف المطروح، بل يشير حصراً إلى أشغال تركيب وتجهيز محطات التوليد والتحويل بكل فئاتها، من دون أي إشارة إلى التشغيل والصيانة أو التزويد بالطاقة أو التصميم. واستطراداً، لا يطال هذا التصنيف الشركاء المؤهلين في التحالفات (consortium) حصراً، بل يمتد ليشمل تصنيف أي شركة قادرة لديها الكفاءة لتنفيذ فئة أشغال متشابهة محددة في المرسوم. وهو ما يرى فيه البعض حداً للمنافسة لأنه يحصرها عملياً بعدد محدود جداً من التحالفات، بما يجعل من السهل التحكم بمسار الصفقة وفرض أسعارها.
«الكهرباء» مستثناة
إذا كانت عملية التصنيف تواجه العديد من الإشكاليات، فإن ما كُشف أخيراً يمكن أن ينسفها من أساسها. إذ تبين لوزارة الطاقة أن المرسوم الرقم 3688/66 الذي تبنى عليه عملية تصنيف الشركات، قد أخرجت من أحكامه نهائياً مشاريع توليد الطاقة الكهربائية بموجب أحكام المرسوم 14901 تاريخ 11/7/1970. فالمادة الأولى منه تشير بشكل لا لبس فيه إلى أن «تستثنى من أحكام المرسوم الرقم 3688 تاريخ 25/1/1966 والجداول المرفقة به، صفقات أشغال وتجهيز وتركيب مراكز توليد الطاقة الكهربائية ومحطات تحويل هذه الطاقة بقوة 60 ك ف أ وما فوق…». أي أن المرسوم الذي يرعى عملية التصنيف، وأشارت إليه الوزارة بوضوح في الشروط الواجب اتباعها في عملية التصنيف (ص 18 من مستندات التصنيف المنشورة على موقعها الإلكتروني) لا يشمل صفقات معامل الكهرباء. وهذا يعني أن كل ما تنجزه وزارة الطاقة حالياً معرّض للطعن، إذا لم يُصر إلى معالجته، لأن لا أساس قانونياً له.
بستاني: عملية التصنيف تراعي أعلى معايير الشفافية
بعيداً عن طرق توزيع الشركات واعتماد الوزارة على مرسوم غير ذي صلة، فإن أحد المهتمين بمناقصات المعامل، يطرح مسألتين تستدعيان التوقف عندهما، الأولى تتعلق بعدم اكتفاء الوزارة بفرض شرط يتعلق بتقديم شهادة خبرة تثبت قيام الشركة بإنشاء معمل بقدرة 800 ميغاواط، بل ذهابها إلى اشتراط أن تكون هذه المعامل قد نفذت على أساس عقود BOT (بناء وتشغيل وتحويل إلى الدولة) التي تتضمن تأمين الشركة الرابحة للتمويل، والثانية تتعلق بعدم تحديد مهلة لتقديم طلبات التصنيف. ويسأل المصدر إذا كان للشركة الخبرة اللازمة لبناء هذا النوع من المعامل، فما أهمية اشتراط أن تكون خبرتها مرتبطة بتأمين مصدر التمويل لهذه المعامل؟ معتبراً أن وضع هذا الشرط إنما يساهم في حصر المنافسة، إذ لا شيء يمنع أن تكون شركة كبرى قد نفذت عشرات المعامل في أماكن مختلفة من العالم، من دون أن تساهم في تمويلها، بينما في لبنان توافق على أن تؤمن هي التمويل.
مهلة مفتوحة
«ذلك أمر غير مطروح»، تقول بستاني، التي توضح أن اشتراط أن يكون المطوّر قد نفّذ معامل وفق عقود BOT، لا يتعلق بطريقة التمويل، بل بضمان أن يملك خبرة ليس ببناء المعامل فحسب، بل بتشغيلها وصيانتها، مذكّرة بأن المطروح أن تقوم التحالفات ببناء وتشغيل المعامل لمدة 20 سنة (لم تحسم المدة بعد). ولذلك لا يمكن المخاطرة بالتعاقد مع شركة لا تملك الخبرة بإدارة المعامل.
أما بشأن الملاحظة المرتبطة بعدم تحديد شروط التصنيف مهلة لتقديم العروض، فتوضح وزيرة الطاقة أن ذلك متعمّد ويتعلق بزيادة مقدار الشفافية، فكل مهتم بالمناقصة له الحق في تقديم مستندات التصنيف ساعة يشاء، منذ لحظة بدء قبول الطلبات وحتى آخر يوم قبل إطلاق المناقصة.