استسلم اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، وأزال كلّ أرقام الشكاوى التي كان قد طلب من المواطنين استخدامها للتبليغ عن مخالفات أصحاب المولّدات. الملاحقة التي كان قد أعلن عن السير بها لم تستمرّ أكثر من شهرين، ترك بعدها المواطنون فريسة لفواتير فاقت كلّ التوقعات من دون أيّ رادع
سعّرت وزارة الطاقة “الكيلوواط ساعة” عن شهر آب بـ 13.976 ليرة، تضاف إليها مقطوعة ثابتة عن كلّ عداد تساوي 110 آلاف ليرة لكل 5 أمبير، و230 ألف ليرة لكل 10 أمبير. هذا ما في الدوائر الرسمية من بيانات ممهورة بتوقيع وزير الطاقة. أما على أرض الواقع، فتشبه تسعيرة “الكيلوواط ساعة” الصادرة عن وزارة الطاقة سعر صرف الليرة الرسمي في المصرف المركزي (1515 ليرة لكلّ دولار): سعر وهمي لا أحد يلتزم به، وغير معروف خارج أسوار الدوائر الرسمية، سواء كانت الوزارة أو البلديات في المناطق.
على الورق، الدولة مسؤولة وتحتكر إنتاج الكهرباء وتوزيعها على الأراضي اللبنانية، ولكن فعلياً هي استقالت تماماً من هذه المهمة وتقوم اليوم ببراعة قلّ نظيرها بممارسة الـ”فرجة”. التيار الرسمي، أو “كهرباء الدولة”، غائب تماماً. وعليه تركت الدولة مواطنيها عرضةً لأبشع أنواع الاحتكارات والتسلط في قطاع يعدّ عصب الإنتاج والحياة. يحاول المواطنون بشتى السّبل إنتاج حاجتهم من الكهرباء، فيلجأون إلى مولّدات الأحياء تارةً بشكل أساسي، وإلى الطاقة الشمسية البعيدة عن متناول أيدي كلّ الناس لأسعارها العالية. وأصحاب المولدات هم المثل الأنصع لما يمكن أن يفعله القطاع الخاص بالشعب اللبناني في حال تحلّل الدولة بالكامل. هؤلاء يتفنّنون في تدفيع الناس ثمن الأزمة الاقتصادية ومراكمة أرباح تفوق الخيال، طبعاً لا يمكن إلقاء كلّ اللوم عليهم، فالدولة الناظمة للحياة غائبة، وأكثر ما يمكن أن تفعله الأحزاب في مناطقها هو التعويل على أخلاق أصحاب الاشتراكات.
التزام طفيف
على مستوى الضاحية الجنوبية، وبخطوة مفاجئة، أصدر اتحاد البلديات بياناً أعلن فيه “التوقف عن إصدار تسعيرة المقطوعة التوجيهية”، وطلب من أصحاب المولدات “تركيب العدادات والالتزام بالتسعيرة الصادرة عن وزارة الطاقة شهرياً”، كما أزال كلّ أرقام الهواتف المخصصة للشكاوى، وتوعّد بالملاحقات القانونية للمخالفين. في المقابل، بقيت صورة التزام أصحاب المولدات ضبابية في تلك المنطقة، بين من التزم بشكل كامل بتسعيرة وزارة الطاقة وأصدر فواتير تفصيلية تحتوي كلّ أبواب الدفع وركّب العدادات من جهة، وبين من خالف ضارباً عرض الحائط بكلّ القرارات من جهة ثانية. وفي المخالفات يمكن وضع تصنيفات أيضاً، فهناك “الطفيفة” كما “الجسيمة”. نجد في فئة المخالفات الطفيفة من قام بزيادة مبالغ قليلة على التسعيرة الرسمية تراوحت بين ألف وألفي ليرة وأصبحت بذلك أعلى قيمة لـ”الكيلوواط ساعة” 16 ألف ليرة.
… ومخالفات جسيمة
أما الحديث عن فئة المخالفات الجسيمة فيطول كثيراً، منهم من اعتمد العملة الأجنبية سبيلاً وحيداً للدفع، ورفض حتى قبض مستحقاته على أعلى سعر صرف، وفرض تسعيرته الخاصة التي وصلت إلى 60 سنتاً عن كلّ كيلوواط ساعة، بالإضافة إلى 10$ كبدل ثابت عن العداد، هذا ما جعل بعض الفواتير تطير فوق سقف الـ 150$.
فرض البعض تسعيرته التي وصلت إلى 60 سنتاً عن كلّ كيلوواط ساعة
وهناك من اخترع بنوداً جديدة كلياً، مثل “بدل سعر صرف” أو “بدل مازوت” وصلت قيمته إلى 5$ عن كلّ فاتورة مهما كان المصروف، كبيراً أم صغيراً. وبحسب صاحب اشتراك قام بإضافة هذا البند، فـ”الزيادة هي لتغطية تقلبات سعر صرف الدولار، فالمازوت وقطع الغيار والزيوت مسعّرة بالعملة الأجنبية”. ولكن طالما هناك من التزم بشكل كامل بالتسعيرة الرسمية، دون إضافات، لا يمكن القبول بأيّ شكل من الأشكال بدفاع المخالفين عن أنفسهم، فلا يوجد شخص يمكن أن يقبل بتراكم الخسائر اليوم.
الملاحقات معلّقة
“الملاحقات والشكاوى على المخالفين مستمرّة” بحسب عباس الغول محامي اتحاد بلديات الضاحية، معلناً عن “انتظار وصول الشكاوى من الناس”. أما المشكلة التي وقعت اليوم فهي “إضراب القضاة الذي يعيق تحرك الأجهزة الأمنية على الأرض وتحويل الشكاوى إلى المخافر”، ويختم بأنّ “الاتحاد يفتش عن خيارات أخرى في حال بقيت الأمور متوقفة بسبب الإضرابات”. أحد المشتركين في منطقة حي ماضي يرى أنّ كلّ بيانات البلديات “لا تغني ولا تسمن من جوع”، فبعدما تقدّم بشكوى على صاحب الاشتراك بسبب “التسعيرة التي ناهزت الأربعة ملايين ليرة مقابل تقنين وصل إلى حدود 12 ساعة يومياً”، طلبت بلدية حارة حريك تحويل الشكوى إلى اتحاد البلديات، وعند التوجّه إليهم أعادونا إلى البلدية، و”بين حانا ومانا هدّدنا صاحب المولد بالقطع في حال عدم الدفع”.