استناداً الى قرار وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض الصادر في تشرين الأوّل ٢٠٢٢، باشرت مؤسسة كهرباء لبنان في شباط ٢٠٢٣ بتطبيق تعرفة جديدة للكهرباء، تعتمد ١٠ سنتات أمريكيّة لأوّل ١٠٠ كيلوواط في الساعة ثمّ ٢٧ سنتاً أميركياً لكل استهلاك يزيد عن ١٠٠ كيلوواط في الساعة، تُضاف اليها تعرفة شهرية ثابتة وهي ٢١ سنتاً أميركياً لكلّ أمبير و ٤ دولارات و٣٠ سنتاً بدل تأهيل، على ان تُحتسب التعرفة بالليرة وفق سعر صرف منصة «صيرفة» بزيادة ٢٠ في المئة على سعرها بناءً على طلب مصرف لبنان لضمان تحصيل الاموال التي اقرضها لمؤسسة كهرباء لبنان.
وعلى الرّغم من أهميّة وضرورة خفض عجز مؤسسة كهرباء لبنان، كان يجدر على حكومة الجهابذة اتخاذ خطوات إصلاحية صارمة قبل إقرار زيادة فاتورة الكهرباء واثقال كاهل اللبنانيّين بالمزيد من الفواتير في مقابل خدمة رديئة وشبه معدومة، يعتريها مخاوف دائمة من انهيار الشبكة الكهربائيّة وحدوث العتمة الشاملة. وأبرز هذه الخطوات تنظيم قطاع الكهرباء من خلال تطبيق وزارة الطاقة والمياه أحكام القانون رقم ٤٦٢/٢٠٠٢، وتعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء التي تتولّى تنظيم ورقابة شؤون الكهرباء عملاً بالمادة ١٢ منه، كمدخلٍ لإصلاح القطاع وصولاً الى زيادة ساعات التغذية.
كان من الأجدى معالجة عجز موازنة المؤسّسة بشقّيه، بدءاً بالمصاريف وارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء، البالغة ٢٤ سنتاً لكلّ كيلوواط، بسبب الهدر والفساد والصفقات المشبوهة وسوء الإدارة في القطاع، لا سيّما كلفة التوليد والتوزيع التي تبلغ ١٤ سنتاً لكلّ كيلوواط، وتلزيم وتشغيل المعامل من خارج رقابة دائرة المناقصات وشروطها، وتهريب المشتقات النفطيّة الى سوريا، وارتفاع أسعار شراء مادة المازوت مقارنة بأسعار مادة زيت الفيول، وفائض التوظيفات والتنفيعات السياسية والحزبيّة في القطاع.
كما يجب معالجة الشقّ المتعلّق بالمداخيل في ظلّ الخلل الفاضح والفضيحة في جباية فواتير الكهرباء، لا سيما تلك المسجّلة على المؤسّسات والإدارات الرسميّة والوزارات ومنازل السياسيّين ومكاتبهم والتي فاقت ١٤٢ مليار ليرة في أيار ٢٠٢١، وتأخّر المواطنين بتسديد فواتيرهم لسنوات، وعمليات سرقة التيار الكهربائي في جميع المناطق اللبنانيّة، ما يستدعي آليات جديدة لإصدار الفواتير والجباية والمراقبة لإزالة التعديات على الشبكة وتحصيل المتأخرات، بما في ذلك دفع المنظمات الدولية الى تسديد ما يترتب على مخيمات اللاجئين.
انّ المشهد الحالي ينذر بأن زيادة التعرفة قد تأتي بنتائج عكسيّة جرّاء ارتفاع وتيرة عمليات سرقة التيار الكهربائي او الكابلات الكهربائية وأسلاك النحاس، مما يؤدي الى انقطاع الكهرباء عن المناطق التي تتعرض لهذه السرقات، أو امتناع المشتركين عن تسديد قيمة الفواتير المضخّمة، او الغاء اشتراكاتهم، لأنّ اللبنانيّين ما عادوا يرون في قطاع الكهرباء المهترئ سوى مشاريع غارقة في الفساد واستكمالاً لنهب المال العام.
ويبقى ان نسأل جهابذة حكومة تصريف الأعمال، كيف يمكن للبنانيّين ان يتدبروا تسديد ثمن فاتورتين، الاولى بملايين الليرات اللبنانيّة لمؤسسة كهرباء لبنان والثانية بالدولار لمافيات المولدات الخاصة؟ وهل يعقل أن يُطلَب الى اللبنانيّين تحمّل الكلفة الباهظة لتقاعس الدّولة الفاضح عن القيام بواجباتها في ظل الفساد والهدر المستشريان في قطاع الكهرباء؟