IMLebanon

أسلحة إلكترونية للدمار الشامل

 

 

مع التطورات الحثيثة للحرب على لبنان واتساع رقعتها، وتدحرجها المتسارع نحو الحرب الشاملة، ازدادت حدّة القصف وتنوّع الأسلحة وبتنا نشهد بأمِّ العين أسلحة دمار شامل تستعملها الدولة العبرية وجيشها بدون أية ضوابط أو موانع أخلاقية أو إنسانية على حد سواء. فبينما كان الغرب كله منذ عدة سنوات يفتش، وكما يقال بالسراج والفتيلة، على أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين إبان حرب العراق التي أعلنتها الولايات المتحدة في مارس من العام 2003، والتي شُنّت تحت عنوان أسلحة الدمار الشامل التي تبيّن زيف ادّعاءاتها لاحقاً. وكذلك في الحرب السورية والتي ادّعى فيها الغرب استعمال النظام السوري لغاز الخردل والسارين وغيرها من الغازات السامة المحرّمة دولياً والتي بقيت دون أي دليل يُذكر. واليوم تقوم الدولة العبرية وعلى مسمع ومرأى من العالم المتحضّر ومؤسساته الأممية والإنسانية، باستعمال أسلحة إلكترونية استهدفت أكثر من 5000 إنسان وقامت بقتل المئات وجرح أكثر من 3000 وإنزال إعاقات جسدية بالمئات في العيون والأطراف، كل ذلك قامت به إسرائيل بدقائق معدودة، وذلك من دون الأخذ بعين الاعتبار وجود أطفال ونساء ومدنيين، ذنبهم أنهم كانوا متواجدين بالقرب من الأجهزة التي فجّرتها يد الإجرام. وقد استمر سلاح الجو الإسرائيلي باستهداف المدنيين وذلك في عجالة استهدافه لعناصر وقادة من حزب الله، حتى أن غارات الطيران حصدت أكثر من 300 شهيد في مختلف المناطق اللبنانية في يوم واحد. لقد استخدام العدو هذه الأسلحة الفتاكة المحرّمة دولياً وذلك بحسب ما جاء على لسان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، الذي وصف تفجيرات أجهزة الاتصال بـ «الانتهاكات المرعبة للقانون الدولي والتي تشكّل جريمة حرب» تُضاف إلى جريمة حرب أخرى وهي «ترويع المدنيين لتهديدهم أو منعهم من دعم أحد أطراف النزاع»، وقد دعا المقررون الخاصون في قضايا حقوق الإنسان، الأمم المتحدة للقيام بتحقيق عاجل في هذه الانتهاكات.

النازية القديمة والنازية المتجدّدة

لقد قامت أكثر من جهة في دنيا الغرب، بالتهليل للإنجاز التقني الذي حققته الدولة العبرية والذي أدّى إلى وقوع هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في دقيقة واحدة، وهذه الظاهرة ليست بجديدة على بعض الناس التي تصفق لسفك الدماء، إذ إنه وإبان الحرب العالمية الثانية كانت أكثر من جهة أوروبية وغيرها تصفق للمجازر التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، حتى أن البعض لم يتوانَ عن الانضمام إلى الجيش النازي بصفة متعاملين أو جواسيس لمساعدته في حملات التطهير العرقي الذي كان يمارسها. واليوم تقوم النازية الجديدة التي تعلمت من ممارسات النازية القديمة، بالقيام بنفس المجازر ولكن بطريقة متطورة وعلنية هذه المرة. وكان لافتاً ما كتبه أحد الصحفيين الأميركيين حول مجزرة أجهزة النداء «pager» واللاسلكي «talkie walkie» الذي قال إن الغرب يمتلك هذه التكنولوجيا منذ أمد بعيد، ولكن الغرب لم يجد المجرم الذي يقرر استعمالها وهو بالتالي كان يهاب النتائج المترتبة عن استعمالها، وذلك لأسباب بحت إنسانية وأخلاقية، أما مجرمو الدولة العبرية فلم يتوانوا عن استعمالها ضاربين عرض الحائط بالمفاهيم الإنسانية فاستحقوا بامتياز لقب مجرمي الحرب. إن الغرب الذي يقف اليوم إما متفرّجاً وإما مهلّلاً لا بد أن يأتي اليوم الذي سيقوم به بعضِّ أصابعه ندماً، ولا بد للسحر أن ينقلب على الساحر فيتحوّل الذكاء الصناعي إلى لعنة ونقمة بدلاً من أن يكون نعمة.

الرد الذكي أمام الذكاء الاصطناعي

سيتساءل كثيرون عن مستوى الرد الذي يمكن أن يلجأ إليه حزب الله وهو رد عسكري مطالب به لا سيما من قبل جماهيره وبيئته التي ضُربت بالصميم، وهذا الرد لا بد آتٍ لأن الحرب هي سجال يوم لك ويوم عليك، وذلك بغض النظر عن ضريبة الدم التي يدفعها المدنيون والتي قد تتجاوز كل التوقعات مع طبيعة ونوعية الأسلحة المستعملة. ولكن وفي خضم هذا الرد لا بد من أن يقوم اللبنانيون كل اللبنانيين مقاومين وسياسيين باستنباط رد سياسي على العدو وداعميه، يقوم على إعادة تكوين الدولة اللبنانية وإعادة تكوين السلطة من خلال الاتفاق على رئيس وذلك بالرغم من الدمار والدماء، وهكذا يتناغم الرد السياسي مع الرد العسكري ليشكّلا معاً أنموذجاً يستطيع معه لبنان من الاستمرار بالحياة والانبعاث من تحت الرماد.

* كاتب سياسي