Site icon IMLebanon

إيلي سالم: رميتُ الشرع أرضاً… وأمين أخفى سر لقائه بالأسد… وليت 17 أيار نُفّذ

 

“قال لي بشير سأصبح رئيساً للجمهورية: now or never”

 

 

جميلٌ جداً، قلباً وروحاً وخفّة ظلّ، هذا الرجل، الذي تجاوز الرابعة والتسعين من العمر ويستمرّ شامخاً كما الرمح. هو وزير خارجية لبنان في مرحلة قاتمة تلت إستشهاد بشير الجميل وسبقت إنجاز إتفاق الطائف. وبين بين، نسج إتفاق 17 أيار، وراقب تفاصيل توقيع الإتفاق الثلاثي، وأنجز ورقة 13 حزيران، وضرب عبد الحليم خدام يوم تطاول على اللبنانيين، ورمى فاروق الشرع أرضا وكاد «يكسّر أسنانه» يوم سرق من أمامه ورقته الخاصة باتفاق 17 أيار… هو ليس «سبع البورومبو» بل دبلوماسي «نوع أوّل» لا يطيق غضّ النظر عن تطاول. هو رجل لم ينكسر، ولبنان الذي يريد يُشبهه. رافق أمين الجميل ويستمرّ أميناً له. وصنع من جامعة البلمند صرحاً. هو الأرثوذكسي جداً، «الرذيل» حين يقتضي الأمر، «الهمشري» عادة، المرح غالباً والفلاح على «سنّ ورمح» دائماً. هناك، في بطرام الكورة، إلتقينا إيلي سالم وكانت جلسة طويلة، تجاوزت الساعتين، مع بروفسور يقول: إن من يجلس معه ساعتين يعرف عنه كلّ شيء.

 

يجلس في حديقة منزله «البطرامي»، تحت شمس آذار الهادئة، في محاذاة سنديانة معمّرة يعلوها عرزال يشعر من يصل إليه وكأنه يقارب المريخ. هناك، كان يمكث بعض الوقت، يراقب الطبيعة من علِ «لكن العمر يمنعه اليوم». منحوتة لوالده في صدر البهو الخارجي سينقلها فيليب (شقيقه فيليب سالم البروفسور الشهير) الى منزله القريب في خلال الصيف المقبل. صور والديه أديب ولمياء (لمياء مالك قريبة شارل مالك) منتشرة في كل البيت. إيلي سالم «بطرامي بامتياز»: «هنا ولدت وهنا أتابع حياتي. بيت أهلي بعيد عن هذا البيت نحو مئتي متر. والدي اشترى من أعمامي البيت الذي أسكن فيه اليوم وأنا سأمنحه الى إبني بول (بول سالم). هذه ذهنية الفلاحين فينا» (يقول ذلك ويضحك).

 

هم كانوا 7 أولاد: «فتاة واحدة تدعى ميليا توفيت، وستة صبيان: فؤاد وأنطون توفيا، وأنا وكمال وفوزي وفيليب. كنت الكبير في عدادهم وكان والدي يطلب مني الكثير. لا فرص ولا راحة. أراد أن ندرس نكاية ببيت مالك (ووالدته من آل مالك) الذين كانوا يعتبروننا فلاحين» (يضحك مجدداً لذلك). يتابع: «والدي كان كاتب عدل. «قتل حاله» كي نتعلم. كان ذكاؤه هائلاً ويوم عُين كاتب عدل عبر إمتحان ضمّ ثلاثين محامياً صدر سند يقول: عُيّن اديب أفندي سالم في امتحانات الكورة مكان كاتب عدل الكورة سليم أفندي مالك الذي عُزل. كلمة عُزل صنعت عداوة بين بيت مالك وبيت سالم لا علاقة لوالدي بها».

 

تعرّف إيلي سالم الى شارل مالك الذي استضافه طالباً يوم سافر للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية ويقول: «عشت في بيته وسكنت في سفارة لبنان في واشنطن ثلاثة أشهر. أثّر بي فلسفيا كثيراً لكنني سياسياً إختلفت معه. برأيي كان يفترض به أن «يطحش» أكثر في هيئة الأمم المتحدة ضدّ الشيوعية والإتحاد السوفياتي».

 

لبناني جداً جداً

 

له رأيه وللآخرين آراء ربما مختلفة. هو ينصت بإمعان لكنه، منذ استفاق في هذه الدنيا، لا يقبل الضيم. يقول هذا عن نفسه شارحاً: «فلسفتي تنطلق من مصلحة لبنان. عندي الله فوق ولبنان على الأرض. لم احمل جنسية أخرى. أنا لبناني جداً جداً جداً ولبنان أراه بعمقٍ فلسفي وعربي، قد لا يُفرح كل الناس لكنه يُفرحني. العرب يكبرون بنا ونحن نكبر بهم. والعروبة التي اراها على ذوقي. أنا عربي لكن ضد دولة عربية واحدة. وأنا مع فصل الدين عن الدولة لكني لست مع انطون سعادة. حاورت أنطون سعادة وفكر جمال عبد الناصر وميشال عفلق وجورج حبش صديقي وحبيبي لكنني إستمريت دائماً الأرثوذكسي اللبناني».

 

هل نفهم من ذلك انه أرثوذكسي قبل أن يكون لبنانياً؟ يجيب ضاحكاً: «أحببتُ البطريك مار نصرالله بطرس صفير كثيراً وكنت كلما طرحت عليه شيئاً يقول لي: عدّ الى وادي قنوبين. نحن نظرتنا في الكورة الى لبنان أوسع. نراه أكثر إنفتاحاً وليس المحصور في المارونية القديمة. أنا مع دولة مركزية قوية تحمي الطوائف لا مع طوائف تبني الدولة. أنا مسيحي مسيحي مسيحي أرثوذكسي أؤمن بربّ واحد مخلص… that’s me. أنا مع البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب. السيد محمد حسين فضل الله كتب مبادئ الحوار الإسلامي المسيحي. ما يجمع الإسلام والمسيحية على الاقل 80 في المئة والفروقات أكثرها لاهوتية كلامية. يفترض أن يكون المسيحي في لبنان مسيحياً في العمق ويفهم الإسلام ويحبهم كإسلام».

 

دول صغيرة وسياسة كبيرة

 

يوم قرر دراسة العلوم السياسية فعل من منطلق الباحث العلمي الفلسفي ويقول: «أحب الفلسفة وأعود الى إبن منظور في كتابه لسان العرب. والسياسة عند الفارابي دائما للخير العام في أعمق معاني الكلمة. سياستي ليس معناها «السويسيات» بمعناها الضيق. ويستطرد: زارنا الياس الهراوي ذات يوم في البلمند – وأنا احبه لأنه «همشري» مثلي وقال: اريد تهنئتكم لأن الدكتور إيلي سالم رجع الى أصله وخرج من السياسة. قفزتُ من بين الجمهور وقلت له: أنا ربّ السياسة لكني ضدّ السويسيات. أنا مع السياسة الكبرى. ولبنان برأيي كبير. والدول الصغيرة بحاجة الى سياسة كبيرة حتى تطل على العالم. وأنا كوزير خارجية لبنان – لم أكن أملك لا جيشاً ولا شرعية – لكنني كنت قادراً أن أتكلم مع شولتز (وزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز) وكأنني رئيس الإتحاد السوفياتي».

 

لم يفرح أديب سالم حين قال له ولده البكر أريد دراسة العلوم السياسة «كان يريدني كما كل الكورانيين طبيباً أو محامياً لكنني لم أصلح لدراسة الطب لأنه حين طُلب مني تشريح صفدعة «غشيت» وفقدت الوعي. أنا مسالم جداً». ويستطرد: «حياتي بمعظمها كانت في الجامعة. كتبت طوال 12 عاماً مخطوطة ربّكِ لا يقرأها بالعربية وعنونتها: رسوم دار الخلافة العباسية. إشتغلتُ عليها 12 عاماً ولم يُبع منها 12 نسخة. هي تقرأ في مكتبات العالم الكبرى التي تهتم بالإسلام. الحضارة العربية كبيرة جداً لكنها مطموسة. أنا حين أقول لبنان عربي أفكر بالحضارة العربيّة التي تضم المسيحيين واليهود والفرس أيضا. لست مع القتال مع الفرس وليس هناك فيلسوف واحد إلا فارسياً من ابن سينا الى الخوارزمي الى ابن خلدون…».

 

هو ليس بارعاً في التكنولوجيا ويقول: أنا فيها «جرصة». تمرّ عاملة أجنبية في بيته من الجنسية السريلانكية فيقول: «هي في بيتنا منذ 35 عاماً.إسمها «بدما». ويشير الى قطعة خشبية كبيرة معلقة في صدر الدار قائلاً: «هذه نورج ونحن، في الكورة، نسميها باللغة الشعبية مورج. كنا نفصل بها القمح عن السنابل ويجرها فدان. في كل بيتٍ أملكه «مورج» وأهديت أولادي كلهم واحدا تعبيراً عن الأصالة القروية في بطرام التي تعيش على القمح والزيتون».

 

بشير في واشنطن

 

تعرّف الى بشير الجميل بالصدفة «كنت ذاهباً الى واشنطن لإلقاء محاضرة عام 1982 فأرسلوا لي خبراً بأن ذهابي ممنوع لأن بشير يعمل على فتح قناة مع الولايات المتحدة الأميركية. أجبتهم: لكنني ذاهب. قالوا لي: من الأفضل أن لا تختلف مع الشيخ بشير. عندها قال لي جورج فريحة وكان صديقاً مشتركاً: ما رأيك لو تتناول الغذاء معه في بيتي. ذهبت أنا وزوجتي فيليس. وجورج وزوجته فيفيان. وأتى بشير مع زوجته صولانج. وصل و»فقعنا» خطاباً طويلاً عريضاً وأخبرنا أنه فتح خطاً مع الأميركيين ويريد أن يُصبح رئيساً للجمهورية. وقال بالحرف: now or never. فقلت له: يا شيخ بشير. فخاف جورج أن أواجهه فركلني من تحت الطاولة. تابعت قائلاً: أنا أكبر منك ونشرت كتباً عن لبنان وأحبه مثلك ومثل بيار الجميل. لبنان لي بمثابة أيقونة. لذلك أنتظر أن تتأثر أنت بأفكاري لا أن أتأثر أنا بأفكارك. فاتجه بشير نحوي وقبلني. أعجبته صراحتي. ورأيت به «جدع» (باللهجة المصرية). ويوم قُتل ذهبت وحزنت كثيراً. أتذكر أنني إلتقيته قبل استشهاده بثلاثة أيام مرة أخرى. كان قد إنتخب رئيساً ويستعد لتسجيل كلمة بالإنكليزية عبر محطة أميركية وستكون مدخلاً له الى العالم. دعاني الى منزله في بكفيا واتفقنا أن يسجلها وأقوم أنا بتصحيحها. كان همشرياً. سجّل كلمته و»خبّص» كثيراً. وبعد انتهائه سألني: هل اخطأت في مكان؟ أجبته: قمت بثمانية عشر خطأ. فأنت تتكلم وكأنك رئيساً للقوات لا للبنان. انت الآن رئيس الجمهورية اللبنانية. وعلى الرغم من صغر سنك فأنت «بي اللبنانيين». لا يمكنك أن تهاجم حافظ الأسد بطريقتك بل يفترض أن تستفيد مما تقول لبعث رسالة إليه بأنك ستكون منفتحاً. ثم قلت له الخطأ الثاني ثم الثالث… وبعد ثلاثة أيام اغتيل».

 

مع الشيخ أمين

 

لم يكن إيلي سالم يعرف أمين الجميل: «لم ألتق به يوماً. لكن، بعد انتخابه إتصل بي ليلاً طالباً أن نتعاون. صعدتُ الى القصر الجمهوري عند العاشرة مساء فقال لي: نحن ننوي تأليف حكومة وأريدك نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية. بدت ثقته بي عمياء. مشينا وتكلمنا كثيراً وقلت له: سأكون واضحاً معك. أنا خريج الجامعة الأميركية في بيروت وصديقي جورج حبش وتعاطفت مع القضية الفلسطينية أثناء الدراسة ولا يمكنني إجراء أي إتفاق سلام مع إسرائيل. وإذا لم تلتزم بذلك فدعنا نفترق منذ البداية. أجابني: هذا ليس وارداً لديّ حتى بشير لم يكن، بعد انتخابه، في هذا الوارد. قلت له أي إلتقاء مع إسرائيل سيكون ضمن إتفاق الهدنة. ويستطرد: والله، والله العظيم، لم يبدل أمين الجميل لاحقاً رأيه بحرف واحد. أحببته لأنه من مشرب آخر ومن مفردات مختلفة كلياً. يتابع بابتسامته المرحة: كان أمين «زعوري شوي» مثلي. أتذكر أننا يوم كنا معاً في نيويورك في إجتماع مع سفراء الدول العربية في هيئة الأمم المتحدة، وقف المندوب الليبي و»نزل» كلاماً بحق لبنان والرئيس الجميل. حينها، ضرب الجميل المهذّب يده على الطاولة بقوة فطارت الأوراق وتبعثرت وقال بغضب: أنتم إلى من تتوجّهون؟ هل تعرفون من العروبة شيئاً؟ نحن أساس العروبة في العمق وفي الفكر أما انتم فبطق الحنك. صدقيني «كيّفت» بما قال قدّ الدني. حينها وقف الممثل الليبي واعتذر. فرحتُ كثيراً بالرئيس أمين الجميل. عرفتُ أنه مثلي. أنا صاحب شخصية مندفعة أيضا لكن بعقلانية. أنا عقلاني مفكر مستقيم الرأي وأرثوذكسي أيضا (يقول ذلك ويضحك كثيراً)».

 

لاندفاعةِ إيلي سالم العقلانية فصول كثيرة: «ركّعت فاروق الشرع مرة. أمسكته بشعره وركعته. وضربتُ عبد الحليم خدام. يتابع: كما اخبرتك، قلت لأمين يوم تعارفنا أنني مع مفاوضات غير سياسية مع إسرائيل ضمن إتفاق الهدنة فأجابني: absolutely (تماماً)».

 

17 أيار من ألغاه؟

 

ماذا حصل لاحقاً؟ يجيب: «إتفاق 17 أيار هو اكبر إنجاز دبلوماسي حصل في الخلاف العربي الإسرائيلي. سميت هذا الإتفاق الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان. ويوم قرأت الإتفاق بصوتٍ عالٍ وكان عبد الحليم خدام موجوداً قلت: هو إتفاق بين الدولة اللبنانية والدولة الإسرائيلة فقال خدام: أف أف أف… ثم قلت: هذا الإتفاق هو ضمن هيئة الأمم المتحدة فعلق خدام: أف اف أف… توجهت حينها إليه بالقول: وماذا تريد أن أخبرك انه إتفاق بين إيلي أديب سالم وأمين بيار الجميل؟ أنتم صنعتم إتفاقاً مع إسرائيل لتتراجعوا عشرين متراً… نظر الى يدي حيث ورقة الإتفاق باللغة الإنكليزية. في حين كان الإتفاق موجوداً باللغات الفرنسية والعربية والعبرية أيضاً. كان يعتقد أن الورقة التي أعطيتهم إياها ليست الورقة الحقيقية. فغمز فاروق الشرع «ليلطش» مني ورقتي التي كنت قد كتبت على حفافيها شعراً وغزلاً والخيل والليل والبيداء تعرفني ودونت في بعض جنباتها الشعر الرذيل… حين «شفط» الشرع الورقة مني جنّ جنوني. أمسكته بشعره ووضعته أرضاً وضربته وسحبت منه الورقة».

 

إسترجع البروفسور إيلي سالم ورقته لكن الإتفاق سقط؟ يجيب: «إسرائيل ألغته. كل العالم والموارنة تساءلوا: لماذا لم يوقّعه أمين الجميل؟ في الحقيقة، إسرائيل هي من تراجعت عنه. إتفقنا عليه ووقّع من الجانب الإسرائيلي لكن حين أرسلوا المكتوب ضمنوه أن الإتفاق لن ينفذ إلا إذا خرجت سوريا والجيش السوري وكل الفلسطينيين المسلحين وأطلق كل الأسرى الإسرائيليين عند العرب. قلنا لهم، ليس لنا علاقة بهذا كله. قلنا لهم نحن لا نتفاوض عن سوريا بل عن لبنان». ويستطرد: «في نفس اللحظة التي إستلمت بها الرسالة التي كتبوا عليها: الى فيليب حبيب، كتبت الى فيليب حبيب: إستناداً الى هذه الرسالة فإن الإتفاق بيننا يعلّق ونعتبره كأنه لم يكن. هم ألغوه وأنا أكدت على الإلغاء. لذلك، لم يعد هناك من لزوم لسؤال: لماذا لم يوقعه أمين الجميل؟ هل يوقّع على تابوت؟». ويعود سالم ليستطرد بسؤال: «أما لماذا إسرائيل فاوضت ووقعت ثم كذبت؟ صدقاً، لا أعرف. ما اعرفه أن فيليب حبيب قال لي: أنا لست عنصرياً لكن أنا من بروكلين وأعيش بين اللبنانيين واليهود. وإذا كنت ترتدي ما ترتديه (هو يضع محرمة في جيبه) فإن اليهود يسحبونها من جيبك وهم يخرجون». (يضحك لما قال) وتابع: «يوم ذهب الرؤساء الياس الهراوي ورفيق الحريري ونبيه بري معاً الى سوريا أخبر الحريري حافظ الأسد عما قاله لي حبيب فطلب من الهراوي الإتصال بي لسؤالي شخصياً ما إذا كان اليهود يفعلون حقاً ذلك».

 

سأوقّع

 

داخلياً، هناك من اعتبروا إتفاق 17 أيار عمالة؟ يجيب: «أنا أعتبره إنجازاً. أوكي. أنا كنت وزير الخارجية يومها ومسؤول عن كل كلمة فيه. قلتُ لحافظ الأسد أنا وأنت وجورج حبش من نفس المدرسة فهل تُصدّق أنني أقوم بما هو غير معلن؟ أجابني: أنت الوحيد الذي كنت تخبرني كل ما يحصل في الإتفاق مع إسرائيل لكن أنا، يا دكتور إيلي، موقعي غير موقعك كذلك موقفي غير موقفك. ولو انا مكانك لقمت ربما بما قمت انت به. بعد حديثنا هذا، قلت له: أنا سأوقع الإتفاق لأن ما توصلنا إليه هو أفضل ما يمكننا القيام به للبنان وهو ليس إتفاق سلام وليس فيه فتح حدود. أنا مضطر الى التوقيع في سبيل إخراج الإسرائيلي من لبنان. قلت له: زلمك يدعون شارون على العشاء في لبنان. فقعته محاضرة طويلة عريضة. قلت له سأوقّع الإتفاق وأريدك أن توافق عليه. والله إقترب مني وقبلني ولم يفتح فمه بكلمة. والله العظيم هذا ما حصل. صحيح أنه لم يقل موافق لكنه تصرف وكأنه أراد أن يقول لي أقدرك شخصياً لكن مصلحتي غير مصلحتك».

 

يبدو أن العلاقة بين إيلي سالم وحافظ الأسد توطدت وعن هذا يقول البروفسور: «أتذكر أنني يوم التقيت به في نيودلهي وكنت برفقة أمين الجميل بادرنا بالقول: أهلا بالدكتور إيلي. أنت صديقي الحبيب. ومازحنا قائلاً: ماذا تفعل مع الموارنة الإنعزاليين؟ كان يعرف أنني كنت على علاقة وثيقة مع جورج حبش وميشال عفلق». نقاطعه بسؤال: وكيف كانت علاقته مع أمين الجميل؟ يجيب: «different (مختلفة). أنا كنت دائما فخوراً بأمين وسأخبرك لماذا؟ أثناء توقيع الإتفاق الثلاثي مررنا بمرحلة خطيرة مع حافظ الأسد. قلتُ يومها لأمين الجميل: هذا إتفاق سخيف من شأنه أن يموت بشكلٍ طبيعي فاقبل به. نظر نحوي أمين وقال لي: أنت لا تعرف أمين الجميل. لا يمكنني أن أكون رئيس جمهورية لبنان وأسلّم وطني الى سوريا. إذا أرادت سوريا قتلي فلتفعل. وأتذكر أن الجميل قال للأسد يوم زاره: من يختلف معك نهايته سيئة وأنا أختلف معك. وعندما عاد الى مطار القليعات وكنت أنا وميشال عون (قائد الجيش آنذاك) في انتظاره. نظر الى عون وقال له: حضّر مدافعك. وقبل أن نغادر القليعات كانت المدافع السورية قد بدأت تضرب».

 

طموح جنرال

 

بقي وزيراً للخارجية عامين (بين 1982 و1984). ويقول: «يوم تألفت حكومة رشيد كرامي أصبحت مستشاراً في القصر الجمهوري لكني إستمريت في ممارسة السياسة الخارجية. لم يكن رشيد كرامي (الذي استلم وزارة الخارجية والمغتربين بالإضافة الى رئاسة الحكومة يومها) مهتماً بالسياسة الخارجية ولم تكن لديه علاقات خارجية».

 

إستمرّ الى جانب أمين الجميل لكن، كيف تعرّف على ميشال عون؟ يجيب سالم: «كان عون قائداً للجيش وفي آخر يومين أتى الى القصر الجمهوري وقال لي: أعتقد يا دكتور إيلي أن الرئيس الجميل لن يستطيع تشكيل حكومة ولا انتخاب رئيس للجمهورية وأنا أفكّر جدياً بالسيطرة على المنطقة من أجل وحدة الجيش والبنك المركزي. سألته: هل تقصد أنك تريد الإنقلاب؟ أجاب: لا. قلت له: هل تخبرني هذا لأنني إبن اديب سالم أم لأنني مستشار الرئيس؟ قال لي: فسرها كما تريد. دخلت الى مكتب أمين الجميل وأخبرته بما قال. كان جالساً سيمون قسيس فقال: هذا حكواتي ما بيطلع منه شي. وردد الرئيس الجميل ما قال قسيس. خرجت وقلت لعون: سيفكر الرئيس في الموضوع».

 

لاحقاً، إلتقت كل الجماعات المارونية في القصر الجمهوري. وقال الجميل: أنا مضطر الى إعطاء مكاني الى المجلس العسكري لانه لا يمكنني ترك البلد في فراغ. كان عون جالساً بيدّ مكسورة. فقال له أمين: ستكون رئيس المجلس العسكري. إتصل بالضباط فوافقوا جميعاً لكن بعد دقائق تتالت الإعتذارات وبقي من بقي… وأتذكر أن الرئيس الجميل قال لعون: سيكون إيلي معك كإستمرارية. سمعت ما قال وقلت No Way. وفي اليوم التالي صعدت الى القصر «قبل الضوّ» وقلت لعون: عون حبيبي أنا ذاهب الى هاواي وانتهت خدمتي في الدولة اللبنانية. الله يوفقك. الرئيس سليم الحص أرسل هو أيضا مدير عام مجلس الوزراء ليقول لأمين: دعّ إيلي ينضم إلينا كوزير خارجية لتمرير المرحلة الى حين إنتخاب رئيس. مدّ يده إليّ. أعترف بذلك».

 

سلّم أمين الجميل البلاد الى العسكري ميشال عون. وهذا ما يؤخذ عليه؟ يجيب سالم: «هناك شيء خفي في شخصية أمين الجميل بعكسي. أنا في غضون ساعتين تعرفين كل شيء عني. لا شيء أخبئه. لكن، بفعل علاقتي مع أمين الجميل الوطيدة لا أرى هذا الجزء لديه. لكن، ما شعرت به أن هناك غموضاً Mystery في ما حصل قبل أسابيع من مغادرته. وأتذكر أننا ذهبنا في تلك المرحلة الى دمشق، أنا وغسان تويني وفخامة الرئيس، والتقينا حافظ الأسد. غسان قال بعد حين: فلنغادر القاعة ونترك الرئيسين يتحدثان. حدث شيء لم نعرفه. غسان، بصفته الصحافية، سأل الرئيس مراراً ونحن في الهليكوبتر عائدين: شو عملتو يا فخامة الرئيس؟ حدث شيء لم نعرفه بقي بين أمين الجميل وحافظ الأسد. وبكلِ أمانة أقول لك لو كنت أعرف ما حصل لأخبرتكِ إياه لأنني مؤمن بضرورة أن أقول كل شيء للتاريخ».

 

البلمند

 

البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم كان صديقه يقول عنه: «كان فقيراً نقياً فيلسوفاً». ويسرد خبريات كثيرة حدثت بينهما ضحك لها كثيراً. ماذا عن مرحلة البلمند التي شغل فيها رئاسة الجامعة؟ يجيب: «إنها أهم 25 عاماً في حياتي. شعرتُ أنني رئيس دولة صغيرة يمكن إيصالها الى النجوم. هل تصدقين أنني لم أتناول عشاء أو غذاء مع رئيس أو مسؤول أو سفير طوال هذا الوقت؟ كانت جامعة البلمند شغفي».

 

لو تمكنت من الإمساك بسدة القرار في لبنان هل كنت سرت به أيضا الى النجوم؟ يجيب: «أعترف لك أنها ليست سعادة أن يكون الإنسان رئيسا للجمهورية في لبنان. إنها مهمة صعبة».

 

يعيش البروفسور اليوم في بقعة جغرافية هي الأحب الى قلبه، في بطرّام. أصدقاؤه قلة. زوجته توفيت الأميركية «فيليس» توفيت لبنانية جداً، تحب العرق والكبة النية. لديه أربعة اولاد، ليزا ونينا وأديب وبول (الدكتور بول سالم) والأخير يرسل له أسبوعيا كتباً فلسفية وتاريخية وعلوم وكون وفضاء. يتكلم معه مرة في الأسبوع. وينزل الى بيروت ويتناول العشاء مرة في الأسبوع مع عائلتي ليزا ونينا. وأديب حاضر حين يحتاج. لديه 14 حفيداً وحفيدة بينهم طبعا إيلي سالم الصغير (إبن بول) وأصبح شاباً في هارفرد. وهو ينزل يومياً الى حقول الزيتون.

 

سنون البروفسور كانت زاخرة بالمواقف والأحداث. ويقول عن صفة المرح التي فيه: أنا اخوت…. I Be Myself. ماذا عن الخيبة؟ هل شعر بها؟ يجيب: «خيبتي أنني لم أستطع إخراج إسرائيل من لبنان. ويستطرد: مع العلم أن ورقة 13 حزيران التي عملت عليها سنة كاملة في 1987 مع الجميل والأسد أخذها لاحقا الأخضر الإبراهيمي وقدمها في الطائف ولم يقل لهم أنها لي. حسن الرفاعي لاحقاً وضعها باسم سالم – الشرع. وأتذكر أن هناك من ظنّ أنها ورقة غلاسبي. وأنا كتبت بخط يدي نص إلغاء الطائفية الذي عرض في الطائف. قال لي فاروق الشرع في حينه: الطائفية لن تلغى. أجبته مازحاً: معناه أنني لن أكون رئيس جمهورية. أجابني: لا أنت ولا أولاد أولادك أيضا».