تُصادف اليوم ذكرى تفجير دولة الرئيس الياس المر، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع السابق، في 12 تموز 2005، بسيارة مفخّخة في انطلياس.
18 عاماً على الجريمة الإرهابية، ماذا علّمتنا؟
أولاً، إنّ الإرهاب والقتل وسفك الدماء لا تبني أوطاناً وإنما تدمّرها، كما هو حاصل اليوم، حيث تحوّلنا إلى دولة مفتّتة، مفكّكة، وشعب مقهور مخيّر بين الهجرة أو الجوع والذلّ.
ثانياً، إنّ الأجندات والأنانيات وقهر الناس لا تصنع مستقبلاً. هناك ناس مثل الياس المر، أعطت دمها للبنان، وهناك ناس مصّت، وما زالت تمصّ دم الشعب، غير آبهة بغير مصالحها ومكاسبها.
ثالثاً، إنّ التطّرف والأحقاد لا تبني دولة حديثة إطلاقاً. لقد سامح الياس المر من أهدر دمه، من خطّط ونفّذ تفجيره بسيارة مفخّخة، لإيمانه بأنّ لبنان لا يستمر بالحقد والانتقام والكراهية، وفي المقابل نراهم اليوم يتقاتلون بوقاحة ما بعدها وقاحة، على الكراسي والمناصب والمكاسب، فيما البلد ينهار أكثر فأكثر.
رابعاً، إنّ سياسات الإلغاء ما أدّت إلاّ إلى الغاء فرص إنقاذ لبنان والحفاظ على دوره، فلا أحد قادراً على إلغاء أحد، والبلد ليس ملك أحد، وإنّ استهداف الأوادم كما يسمّونهم الناس، مثل الياس المر، ليس خسارة للأوادم أو لـ الياس المر، وإنما هو خسارة للبنان ولمشروع بناء الدولة العصرية الحديثة.
خامساً، بعد 18 عاماً على التفجير، تفجّر كل شيء في البلد، من الدستور، إلى القضاء، مروراً بالنظام المالي والمصرفي الحرّ، وتحوّلت مؤسسات الدولة إلى أشلاء غارقة في العجز والشغور بلا أي رؤية للمستقبل ولا بارقة أمل في الأفق.
سادساً، أرادوا إسكات الياس المر إلى الأبد، لكنهم فوجئوا بصوته الصادح كل يوم في «جمهورية» تشبهه بصراحته وشجاعته وانفتاحه واعتداله واحترامه حرّية الرأي والرأي الآخر، وعدم المساومة على حق أو ظلامة لا في حق لبنان ولا في حق المواطن.
سابعاً، أرادوا التخلّص من دور الياس المر السياسي والأمني، فارتقى من الساحة المحلية إلى الساحات العالمية، ليساهم بنجاح في تعزيز الأمن على المستوى الاستراتيجي العالمي، من خلال ترؤسه مؤسسة الأنتربول، على مدى نحو عشر سنوات، فيما يعاني لبنان اليوم من تراجع الوضع الأمني إلى أدنى مستوياته وتفشّي الجرائم بمعدّلات مخيفة.
ثامناً، بعد كل هذه السنوات، أين أوصلوا لبنان بسياساتهم؟ لا الاغتيالات نفعت، ولا الاستقواء، ولا العناد ورفض الحوار، ولا الارتباط بمصالح خارجية لمكاسب داخلية، ولا السطو على أموال الناس وجنى أعمارهم، ولا وضع اليد على القضاء، ولا الاختباء خلف المتاريس الطائفية ومصانع فبركة الشعارات وإطلاقها كأسهم نارية. لبنان لن يقوم الاّ بالأوادم أمثال الياس المر المؤمنين بالحوار وسيلة، وبحقوق اللبنانيين سيادة، وبمصلحة لبنان أولاً وأخيراً.
دولة الرئيس،
خلال 18 سنة بعد التفجير، لم اشعر يوماً بأن محاولة اغتيالك غيّرتك او نالت من عزيمتك وصلابتك، وانما بالعكس، ان تاريخ 12 يوليو 2005 يمثل تذكيراً مؤثراً بقوتك ومرونتك وروحك التي لا تقهر، كما إن صمودك يشكّل مصدر إلهام عن الايمان والثبات وعدم فقدان الأمل، حتى في أظلم الأوقات.