Site icon IMLebanon

المتروبوليت الياس عوده 

يتميّز مطران بيروت للطائفة الأرثوذكسية بصفاته الأخلاقية ومثابرته على مطالبة المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم تجاه المواطنين، وهو من أبناء انفه المواجهة للبحر في شمال لبنان، أي من المنطقة التي عُرف عنها تعلق أهلها بالعلم والابتعاد عن العصبيات الطائفية، وهو كان ولا يزال من هذه الفئة.

تخرج من مدرسة الـI.C أواخر الخمسينات وكان يتوجه نحو دراسة الطب، لكنه في الوقت ذاته كان متديناً لا متعصباً وشاء دراسة اللاهوت والعلوم الدينية، ومن ثم وبعد تخرجه انتسب إلى تكريس نفسه وجهوده لشؤون الكنيسة والمواطنين الأبرار ممن كانوا ولا يزالون يفتقدون العناية والرعاية.

لقد تدرج في المسؤوليات الدينية حتى بلغ أعلى مراتبها كمطران كلف من الكنيسة برعاية شؤون المسيحيين في مطرانية بيروت. ومعلوم أن نسبة الأرثوذكس في منطقة الأشرفية هي النسبة الأعلى بين المقيمين، ومطرانية بيروت تحتل موقعاً تاريخياً عمل المطران عوده على تطويره وبذل جهوداً ملحوظة لإنجاز كاتدرائية مار جرجس حيث يشرف على القداس كل يوم أحد وأيام الأعياد التي يعتمدها الأرثوذكس. وكان ولا يزال يخاطب المسؤولين ليطالبهم برعاية شؤون الناس، من دون الالتفات للانتماء المذهبي. فطائفته كانت وما زالت بعيدة عن التعصب الديني. ومنذ توليه مطرانية بيروت كان على تواصل مع رجل فريد في خصائصه الأخلاقية ونظرته المستقبلية، أي المرحوم فؤاد بطرس وزير خارجية لبنان ونائب رئيس مجلس الوزراء طيلة فترة حكم الرئيس الياس سركيس، وافتقاد الرجلين أصاب لبنان في الصميم لأن مستوى الأخلاق لدى السياسيين تجلى لديهما من دون أي تشكيك، وكان المطران عوده على تواصل مع الرجلين وبصورة خاصة مع فؤاد بطرس الذي كان يقيم على مقربة من مركز المطرانية.

مخاطبة الضمير العام كانت الشغل الشاغل في عظات المطران الياس عوده ولا تزال، وما يميّز المطران عوده أنه حقق خلال فترة توليه المطرانية خطوات جبارة في تطوير خدمات الكنيسة ومؤسساتها وجميع مؤسساتها التعليمية، سواء على مستوى الحضانة والسنوات الابتدائية والثانوية، وصولاً إلى المستوى الجامعي، التي كانت وما زالت تتمتع بأفضل المستويات، ومنفتحة لكل طالب علم من مختلف الطوائف.

ولا بد لنا من تعداد بعض منجزات المطران الياس عوده.. فهو حدّث مقر مدرسة الثلاثة أقمار في الأشرفية، ووسع مباني مدرسة البشارة الأرثوذكسية في بيروت، وأشرف على إنجاز مبنى زهرة الإحسان. وقد شمل اعتناء المطران تحسين منشآت الأبنية وتجهيزها لمواجهة الأمطار والعواصف، ولم يكتفِ بهذه الإنجازات بل هو أيضاً تجاوزها حينما قرر اعتماد اتفاق على إنجاز مبنى مجمع الـABC في الأشرفية لفترة زمنية، وقد أصبح هذا المجمع من أفضل المجمعات في الشرق الأوسط، وكان الزوار العرب يقصدونه بالرغم من تمتع أسواقهم بمجمعات تجارية كبيرة وفخمة سواء في الكويت، السعودية، الإمارات وخصوصاً منها مشيخة دبي.

إن مجمع الـABC أصبح المثال لإنجاز مجمعات عديدة في بيروت وضواحيها بحيث تعدلت عادات التسوق. وقد أسهم إنجاز مجمعات ملحوظة بين المناطق في توسيع نطاق الخدمات في المنشآت الجديدة التي احتوى بعضها على صالات السينما، ومراكز لتسلية الأولاد وممارستهم لرياضات مختلفة، ويمكن القول إن ABC الأشرفية دفعت مستثمريها بالإضافة إلى مجمع على طريق الأوتستراد ضبيه، إلى إنجاز مجمع آخر في أواخر شارع فردان على أرض يملكها ابن الرئيس الحريري الأكبر.

مساعي المطران عوده لإحياء ممتلكات الكنيسة شملت أيضاً وعلى سبيل المثال إنشاء مجمع سكني يتمتع بمواصفات ممتازة على جزء من أرض تقوم عليها كنيسة أرثوذكسية قديمة في شارع لبنان، لكنه اشترط على المطورين إنجاز كاراج لإيواء السيارات المكتظة في شارع لبنان الضيق. كما أنجزت حديقة جميلة على سطح الكاراج تفتح أبوابها لمن يتمتعون بالمشي في شوارع الأشرفية الضيقة. والمطران كان وراء إغناء الحديقة العامة مقابل كنيسة مار جرجس في الأشرفية التي يزورها ويلعب في أرجائها أطفال المنطقة.

ربما من أهم إنجازات المطران عوده تأمينه رخصة لإنشاء جامعة سميت بجامعة القديس جاورجيوس في بيروت، وبالتالي وبعد إنجازه مركز البطريركية الجديد على مقربة من المركز القديم الجميل في موقعه وتراثه المعماري يمكن القول إن رجل الكنيسة هذا مميز بانفتاحه الإنشائي وإصراره على الاعتناء بالإنسان والفرد.

إضافة إلى إنجازاته على صعيد تأمين المدارس ومؤسسات الحضانة والعناية لمن فقدوا عناية الأب والأم أصر المطران على تحديث مستشفى الروم، وهذا الاسم يعود إلى الزمن العثماني، فأصبح مستشفى الروم مجهزاً بأحدث أدوات التحاليل والروبوتات لإجراء الجراحات وخدمات طبية متكررة، كما أن تقييم ترفيع مواصفات المستشفى اشتمل على إنجاز سطح قابل لاستقبال طائرات الهليكوبتر في حال وجود حاجة لنقل مصابين بسرعة.

ويجب أن لا ننسى أن المستشفى أصبح يحوز فريقاً طبياً متميزاً، وقد ظهر هذا الأمر في عدد من المقابلات مع أطباء أصحاب اختصاص في معالجة الأمراض الجرثومية. وكان مستشفى الروم بين المواقع المختارة لتأمين جرعات الأدوية المناهضة لـ”الكورونا”.

وربما أفضل شهادة على نفسية المطران ومن يتعاملون معه تجلت يوم انفجار مرفأ بيروت وتحطم ألواح الزجاج وتوقف المصاعد، وكيف شاهد اللبنانيون ممرضة تحمل ثلاثة أطفال تنزل على درج من الطابق الثالث بقدمين عاريتين لفقدان الحذاء وتأخذ الأطفال إلى مستشفى حيث أمكن العناية بهم وهي تقف والدماء تنزف من قدميها وهمها حياة الأطفال الثلاثة. فلهذه الممرضة الشكر وللمطران عوده التقدير على إنجازه المستشفى بمواصفات حديثة، وعلى مسارعته لعمليات الإصلاح وتأمين اللقاح لمن حضر إلى الباحة التي خصصت لهذا الغرض مع تفشي “الكورونا”.