عارضتُ اغتيال عون ولم نُخطّط لاغتيال بشير أو سمير
ينفي الياس عطالله، المسؤول العسكري السابق في الحزب الشيوعي، أن يكون الحزب خطّط لاغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل أو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. يعترف بمسؤولية الحزب عن محاولة اغتيال العماد ميشال عون في قصر بعبدا عام 1990، ولكنّه يقول إنّه لم يوافق عليها. في هذه الحلقة من روايته للأحداث، يعتبر أيضاً أنّ مشاركة الحزب في معركة طرابلس عام 1985 ضد «حركة التوحيد الإسلامي» كانت تلبية لطلب من النظام السوري وأنّها كانت خطأً لم يكن من الممكن التراجع عنه.
+ ما حقيقة ما ذكره الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي عن التحضير لمحاولة اغتيال بشير الجميل في بكفيا وعن اكتشافها وفشلها؟
– لا أعلم إذا كانت هناك محاولة حقيقية من هذا النوع. المحاولة الجدية كانت تستهدف العماد ميشال عون. نفّذها فرنسوا حلال.
+ كان منظّماً في الحزب الشيوعي؟
– صحيح وأنا استلمته من السوريين.
+ كيف حصلت العملية؟
كان عون يخطب في الجماهير وأطلق عليه فرنسوا النار. أنا كنت رافضاً لها من حيث المبدأ وسحبت يدي منها. ولكن جورج حاوي ومسؤول آخر يعيش اليوم خارج لبنان قرّرا الإستمرار في تنفيذها.
+ كان لديكم جهاز أمن غير تنظيم المقاومة؟
– كان هناك أمن ولكن ليس خارج المقاومة.
الحزب البديل
+ كان لديكم عملاء سرّيون يؤمّنون تزويدكم بالمعلومات؟
– حتى قبل الحرب كان لدى الحزب أمن وحزب بديل.
+ ماذا كان يعني الحزب البديل؟
– يعني أنّه إذا حصل شيء كبير وخطر لهذا الحزب الموجود والعلني يكون هناك حزب ثانٍ يتولّى المسؤوليات محلّه. هذا مبدأ في الأحزاب الشيوعية بحيث يتمّ تحضير ناس يبقون سرّيين و»نايمين». أنا كنت مسؤولاً عن الإتصال معهم.
+ كانوا حزبيين منتسبين؟
– طبعاً. كان هناك أمين عام ومكتب سياسي ولجنة مركزية. قيادة حزب ثانية أو حزب بديل يقوم بمهام الحزب الأصيل.
+ من كان الأمين العام البديل؟
– رهيف فيّاض. والد الوزير (وزير الطاقة) وليد فيّاض. وكان الحزب البديل يضمّ مسيحيين ومسلمين.
+ كانوا في المناطق الشرقية؟
– أكثر شي. كان ممنوعاً أن يكونوا ناشطين. ما بيتحرّكوا. ما بيعملوا شي. مواطنون عاديون ولكنّهم يعرفون أدوارهم. نحن أصلاً حزب في البيئة المسيحية. ونمونا في البيئة السنية والشيعية في المرحلة القومية.
إستلمنا فرنسوا حلال وسفّرناه
+ لماذا كانت محاولة اغتيال عون في 12 تشرين الأول قبل يوم واحد من عملية 13 تشرين 1990؟
– أعتقد أنه كان عملاً محدود البصر ولم يكن له مبرّر. كان محاولة لتقديم خدمة مجانية لست أدري لمن.
+ بماذا كانت هذه العملية تفيد الحزب الشيوعي ؟
– أعتقد أنّ جورج اعتبر أنّ عون عقبة أمام توحيد البلد بعد اتفاق الطائف. اجتهاد من هذا النوع.
+ عرض الموضوع معك؟
– طبعاً. ورفضت. قلت لهم «ما إلي علاقة» (بالعملية).
+ كيف أُخرِج فرنسوا حلال من السجن؟
– فلّتوه السوريين.
+ كان لديهم علم مسبق بالعملية؟
– لا. لم يكن لديهم علم لا من قريب ولا من بعيد. عندما دخلوا إلى قصر بعبدا وجدوه في السجن. طلع لوحده إلى قصر بعبدا واندس بين الجماهير وكان معه سلاح. مسدس. أطلق النار باتجاه عون لكنه أصاب مرافقه. فشلت العملية وتمّ اعتقاله. عندما وجده السوريون وتأكّدوا من هويته أخذوه واتصلوا بنا وقالوا إنه معهم، ثم طلبوا أن نستلمه.
+ من استلمه؟
– أنا.
+ من أين؟
– من مكتب لحزب البعث في بيروت. كان عبدالله الأمين أميناً قطرياً عاماً لهذا الحزب. رفضت استلامه شخصياً بسبب التغطية الإعلامية ووجود الصحافيين والمصورين الذين سيصوِّرونني أتسلّمه. عرضنا الأمر في الحزب. وسألنا «مين بدو يروح يستلمو؟». قالوا «أنت». اتصل عبدالله الأمين بنا وقال «هذا الشاب (فرنسوا حلال) موجود عندنا وهو تابع لكم ونريد أن تستلموه». على أساس أنني أعرف عبدالله الأمين أكثر من غيري رحت وجبتو من دون الإدلاء بأي تصريح.
+ كنت تعرف فرنسوا حلال؟
– طبعاً. ولكن لم أعرف أنه من سيقوم بهذه العملية. استلمته ثم قمنا بإبعاده من لبنان. أعطيناه مالا وسفّرناه إلى أفريقيا.
+ حاولتم اغتيال سمير جعجع؟
– لا جعجع ولا بشير. ولا مرّة جربت أن أغتال أحداً. كنت ضد الإغتيالات حتى أنّنا لم نردّ على الإغتيالات التي تعرّضنا لها. هذه حرب تبدأ ولا تنتهي وقصة مافيات. «حزب الله» مثلاً لا يمكن أن يتحمّل شخصاً يختلف معه ولذلك نزل تقتيل فينا. حتى جورج حاوي اغتالوه بمقدار ما كانوا حاقدين عليه وفي وقت لم يكن على علاقة بالصراع في البلد. حتى أنّه لم ينزل على 14 آذار.
غازي كنعان: دبّروا راسكم
+ ماذا عن مشاركتكم كحزب شيوعي في معركة طرابلس عام 1985 ضد «حركة التوحيد الإسلامي» بعد عامين على خروج ياسر عرفات وقواته من المدينة؟
– كنت أنا المسؤول عسكرياً في هذه المعركة.
+ لماذا شاركتم في القتال كحزب شيوعي في معركة قرّرها النظام السوري؟
– كنا منقسمين. كانت هناك خلافات حول موضوع العلاقة مع سوريا. عندما عاد أبو عمار إلى طرابلس كان جورج حاوي قد تكفّل أمام السوريين بأنّه يمكنه السيطرة على منطقة المينا في طرابلس (بيسكِّر المينا).
+ ضد عرفات؟
– نعم. نحن فينا نسكِّر المينا؟ ما لنا في كل هذه القضية؟ ولكن لم أكن أستطيع أن أمون على القرار. الحرب حصلت على مرحلتين. الأولى سقط لنا فيها في المينا نحو 34 شهيداً تحت حجّة قتال الإسلاميين. عندما علم عرفات بحجم خسائرنا جمع شبابنا في الملعب البلدي وأخرجهم.
+ متى اتصلت به؟
– في آخر المعركة.
+ كان لا يزال في طرابلس؟
– نعم. وعدت التقيت به في موسكو وكان كريم مروة.
+ متى؟
– بعد فترة. كان مضى على تلك الأحداث نحو أربعة أعوام. وكان أول لقاء بيننا وبينه بعد مجزرة طرابلس. اضطر بعدها جورج حاوي لأن يذهب إلى الجزائر ليتصالح معه.
+ لماذا أخذ جورج حاوي هذا الخيار في طرابلس؟
– سوريا مانت عليه.
+ ولكن في معركة بيروت 1987 كنتم مع عرفات.
– تجاوزنا مسألة طرابلس سياسياً بسرعة. اعترف جورج حاوي أنّها كانت غلطة ولكنها كانت مكلفة كثيراً بعدما سقط لنا فيها نحو 56 شهيداً. مجزرة. وغازي كنعان عدت والتقيته هناك. كان يقود المعركة. قالوا لي غازي كنعان هنا. قلت لهم لا علاقة لي معه. كان معنا جورج بطل. قلت لماذا لا ينزل جورج (بطل) ويحكي معه؟ قال»أنا لا أنزل». قلت «أنتم جماعة طرابلس إنزلوا». ما كان حدا ينزل. فزعانين. نزلت لأنه كان أهان مسؤولنا في طرابلس وتعرّض له بالشتم.
كنا دخلنا في المعركة من دون تقدير النتائج. نزلت واجتمعت مع غازي كنعان. كان صامتاً. أول هجوم على طرابلس كان صعباً ومستحيلاً أن يحقّق تقدماً من منطقة الخنّاق. الإسلاميون يتمركزون فوق والهجوم من تحت. قال «إذا كنتم ستكملون المعركة هاجموا من هذا المحور». قلت له «من هذا المحور مستحيل. هذا انتحار». قال «ليس عندنا خيار آخر. أنتم عسكر وتصرّفوا. دبّروا راسكم. أدخلوا وراء الحزب القومي». الإنسحاب من المعركة كان صار مكلفاً أكثر علينا عشر مرات بعدما تورّطنا فيها لأن الجوّ السنّي انقلب ضدّنا.
قلت للشباب «ما عاد فينا نطلع من هون ونروح على بيروت، يقتلنا السنّة». ركبت بالسيارة وطلعت على الشام. التقيت جورج حاوي. كان مع محمد الخولي (رئيس جهاز المخابرات الجوية المقرب من حافظ الأسد). أطلعتهم على صورة الوضع وسألتهم «ماذا سنفعل؟». قال الخولي «لا علاقة لي». جورج قال «دبّر حالك». كيف أدبّر حالي؟ كنت مستاءً جداً. سألته: «وهل أنا عندي مشكلة شخصية في هذه المعركة؟ انسحب من القصة». رجعت على طرابلس.
كان لدينا خمسة رؤساء سرايا تشارك في القتال. جمعتهم وقلت لهم: «ما بدّي أكذب عليكم ولا بدّي أعمل خطاب حماسي. ما بيسوى ننسحب من المعركة لأنّنا سندفع خسائر أكبر في المستقبل. هذه المعركة فيها موت» وكان استشهد لنا في المعركة قائد عسكري من آل دندشي. في بداية المعركة دعاني غازي كنعان إلى الغداء. كان الطعام سميد على بندورة. قال لي: «كول سميد بيشدّ الركب». تجاهلت الموضوع وهذه المزحة الثقيلة. كان يريد أن ينمِّر علينا. تطوّرت المعركة.
أتى أمر من رئيس الأركان في الجيش السوري (حكمت الشهابي) «الجيش السوري يجب أن يدخل إلى طرابلس. لا تتّكلوا على الأحزاب». نصحتهم بألّا يهاجموا من محور الخنّاق. قال لي غازي كنعان «نحن مش ميليشيات يا عيني. نحن جيش سوري». كان ضباط من الجيش السوري طلبوا مني أن أحكي معه في هذا الموضوع. كانوا متردّدين. حاولت معه وفشلت.
الضابط السوري جودت سعيد (قائد فوج من الوحدات الخاصة) كان يقود الهجوم. أعطوهم الأمر بالتحرك من ضهر الهيكلية. قالوا لهم «اهجموا». كان الفجر. هجموا بعد التمهيد بقصف مدفعي وصاروخي عنيف ومدمر. ولكن الهجوم فشل.
بدأت تصلنا النتائج. سقط نحو 200 قتيل من الجيش السوري. دعاني غازي كنعان إلى الغداء. كان يضع مسدس كولت 45 على الطاولة. قلت له بعد تردّد «كول سميد بيشدّ الركب». حدّق بي ولم يجب. قدّرت أنه سيطلق النار عليّ. النتيجة كانت أنّ الشيخ سعيد شعبان رئيس «حركة التوحيد» توجّه إلى الشام وانسحب من المعركة ووضع نفسه بتصرّف النظام السوري برعاية إيران.
من التقى هناك؟ جورج حاوي. فتحت طرابلس. ترك الإسلاميون. دخل الجيش السوري. جمع غازي كنعان البعثيين والقوميين ووزّع عليهم المغانم. كل طرف أعطاه قطاعاً كأنّه عمل مافيات. عدت وانتقمت من غازي كنعان بطريقة أخرى. كان استولى على خمسة أحصنة من إحدى المزارع فأخذت منهم واحداً من عنده. وضعته في شاحنة ووضعت فوقه شادراً وأخفيته بصناديق الذخيرة ونقلته إلى الرميلة.
+ عاتبت جورج حاوي على معركة طرابلس؟
– كانت تتراكم مجموعة من الخلافات وكان يحصل نقاش حولها من دون نتيجة.
يتبع الأربعاء 17 كانون الثاني
من شبيبة الطالبة المسيحية إلى الحزب الشيوعي: لم أعد مؤمناً
