“لبنان جهنّم الشرق بعدما كان سويسرا الشرق”
تتفاعل الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لحلّ ازمة لبنان تحت رعاية الأمم المتّحدة، خصوصاً بعد ردود “حزب الله” الضمنية على مواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وليس آخرها تحذير أمينه العام السيد حسن نصرالله من مخاطر التدويل ورفضه أي شكل من أشكاله، ليتبعه نائبه الشيخ نعيم قاسم بالقول: “نحن في “حزب الله” لبنانيون وطنيون حتى النخاع، ندافع عن أرضنا وأهلنا بثلاثي القوة، ولا نخضع لمقولة الحماية الدولية لبلدنا”، قبل أن يضيف: “جرّبناهم في القرار 425، والاجتياح الإسرائيلي الذي لم يخرج إلَّا بالمقاومة، وعدوان تموز الذي انهزمت فيه إسرائيل بجهاد المقاومين”. إلا أنّ رئيس “حركة اليسار الديموقراطي” الياس عطاالله، الخارج عن صمته الطويل، يرى أن “ثلاثية قاسم هي من أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم علماً أنها اصبحت أحادية، ولم يبق منها الا الواحد الاحد، أي الميليشيا، فالشعب غير موجود والجيش ايضاً وظلّت الميليشيا”. وعليه، يعلن عطاالله عبر “نداء الوطن” تأييده وضع لبنان تحت وصاية الامم المتحدة، داعياً الى التفاف شعبي حول مشروع انقاذ لبنان والمتمثّل بمبادرة الراعي.
ويشرح حيثيات موقفه بالقول: “تأليف الحكومة متعثّر ما يعني لا انتخابات نيابية ولا رئاسية، اي فرط البلد، والسؤال لم يعد متى سنصل الى المهوار؟ فنحن اليوم في قعره”. ويرى أنّ الراعي “تعامل من بداية الازمة مع الواقع اللبناني بدقة متناهية، فعندما وجد أنّ خطراً وجودياً يتهدّد كيان لبنان وأنّ هناك عجزاً من الطبقة السياسية، خصوصاً من قوى تحاول جرّ لبنان الى محاور خطيرة، تحرّك منادياً بالحياد، والحياد مسألة تأسيسية، فمنذ تأسيس لبنان الكبير الى اتفاق الطائف، لبنان قام على فكرة الحياد، ومحاولة تشويهها وتصويرها بأنّها حياد عن الصراع مع اسرائيل هي للتشويش على كلام البطريرك الذي قال بالحياد الايجابي، من دون الانجرار الى صراعات الدول. فلبنان كانوا يسمّونه بسويسرا الشرق وأضحى اليوم جهنّم الشرق بفِعل سياسات، غير مسؤول عنها لا الدستور ولا النظام، بل عجز المنظومة السياسية عن تطبيق الدستور وعن تمثيل مصلحة الدولة العليا وتغليب مصالح فئوية خاصة”.
ويقول عطاالله: “لهذا السبب، كانت حركة الراعي منطلقة من موقع ومضمون يتجاوزان كل المصالح الفئوية، إذ يعتبر أنّ لبنان لن يعود الى دوره الا في ظلّ وجود مصلحة لكل ابنائه. وبعد عدم تجاوب كثر مع هذا المنطق، انتقل الى شعار التدويل، أي وضع لبنان تحت وصاية الأمم المتحدة بصفته عضواً مؤسّساً لها، وتنخره صراعات خطيرة تكاد تهدّد، ليس فقط بجعله دولة فاشلة، بل تهدّد مصيره. لذلك لا بدّ من تحرّك، إذ عندما تواجه دولة عجزاً وخطراً، يحقّ لها الطلب من هذه المنظمة العالمية التدخّل لفرض سيادة لبنان واحترام القانون والدستور والحفاظ على مصالح شعبه، وهذا حقّ مشروع لشعب مهدّد بالزوال فعلاً، كما قال وزير خارجية فرنسا. لذلك دعوة الراعي هي الوحيدة التي تنطلق من موقع وطني بامتياز وليس من موقع حزبي وفئوي وطائفي. فالكلام عن تدخّل خارجي كلام مسيّس، ولا يرقى الى رصانة لمناقشة دعوته، فهذا التدخّل ليس تدخّلاً خارجياً، فتدخّل مجلس الأمن هو من أوقف حرب تموز 2006 بين لبنان واسرائيل بناء على طلب نصرالله بتدخّل لوقف اطلاق النار، ونحن نفتّش اليوم عمّا يناسب البلد وشعبه ودولته، فلا شيء سينقذه الا محاولة جدّية من شعبه تدعم تدخّل مجلس الامن لاننا غير قادرين بقوانا الذاتية على انقاذه”.
ولا يرى عطاالله أنّ “التدخل الاجنبي سيستجلب شروراً، بل ينعقد مؤتمر دولي، ويُفرض على الجميع الانصياع لفكرة الدولة، وطبعاً ستنتفي الحاجة لجيشين وسلاحين، فعندما يتحدّث مجلس الامن لا أحد سيتجرّأ على رفع سلاحه في وجهه. والحكمة تقول: “إسع يا عبد لكي أسعى معك”، ونحن علينا ان نحاول، فالبطريرك هو الوحيد من يطرح مبادرة اليوم من موقع وطني غير فئوي وغير حزبي، فالرئيس عون لم يعد رئيس جمهورية بل رئيس حزب يتعاطى بشكل فئوي ثم يقول سلبوني صلاحياتي، هو من يتنازل عن صلاحياته عندما يمثّل تياراً سياسياً وليس كل لبنان”.
ويشدّد على “وجوب أن يحظى طرح بكركي بالتفاف شعبي ودينامية قوية، تشبه الى حدّ ما دينامية 14 آذار، فلبنان لن يُترك وحيداً، حتّى أنّ قداسة البابا خائف على مسيحيي الشرق. ومن سيعارض هذا الطرح سيجد نفسه منعزلاً حتماً”، ويتساءل: “ماذا بقي لنا لكي نخسره؟ الليرة؟ أم الصحّة أم الأمن أم القانون؟ فحتّى أننا لا نعرف اذا كانت الصواريخ خلف منازلنا”.
ويختم عطاالله بالقول: “أدرك أنني متحمّس بعض الشيء، ومنتبه لذلك، لكن بصراحة في الظرف الراهن لا أرى مبادرة ذات أفق الا مبادرة الراعي بعدما كان التعطيل عنواناً سائداً قبل انتخاب عون وبعده”.