Site icon IMLebanon

يوم خبط غازي كنعان يديه على الطاولة

 

الياس عطالله عن أمس المقاومة الوطنية وما بعده

 

للمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل آباء وأبناء، وهي تؤرّخ بولادات متعددة، وتعتبر ولادة “جمّول” وإنجازاتها في “التحرير” ممهدة لمسار استُكمل وانحرف. الياس عطالله، الشيوعي، الديمقراطي، البعيد نسبياً عن المشهد السياسي، واحد من آباء المقاومة الشرعيين. فماذا يقول ويتذكر أولاً من صيف 1982 الحار؟

 

“بدأت المواجهة الفعلية قبل الإنسحاب الإسرائيلي من بيروت بحوالى الشهر، وما أقصده كسر المنطق العربي، أن بعد كل هزيمة نعمل وقفاً لإطلاق النار، وتسوية وتهدئة…وتروح إلى أبد الآبدين. هذا ما حصل في العام 1967 وفي العام 1973. عندما تنكسر آلة الدولة لم تكن لتجد مجتمعاً. هذه المرة، أي في العام 1982، الفلسطينيون كانوا الدولة، بفعل الإنقسام الحاصل، ونحن كنا جزءاً منها”. يقول عطالله ويفتح فصلا من الذاكرة:

 

“في تموز 1982 اجتمعنا جورج حاوي، حسين حمدان، محسن ابراهيم، وفواز طرابلسي وهاشم علي محسن ( لم يحضر يوم تُلي بيان جمول في منزل وليد جنبلاط) وأنا في مركزنا في شارع الجزائر، وكان بتقديرنا قبل الرابع من حزيران أن الحرب واقعة، بعد التحذير الإسرائيلي: أي مس بأي جندي أو مواطن إسرائيلي ستكون عاقبته الحرب. وأبو عمّار كان في جوّ أن الحرب واقعة. تحضّرنا بقدر ما استطعنا، وفي حرب المواجهة مع إسرائيل من الجنوب إلى بيروت لم يكن الأداء مرضياً. لا مواجهة قوية. لا مواجهة منظّمة. لا تنسيق بين الأطراف. لا توازن في التسليح بين الميليشيات اللبنانية. وكان الشعور العام أن الأمور متجهة نحو تسوية مع إسرائيل. يوم اجتازت إسرائيل جسر الأولي، اتضح أن الهدف جذري: ضرب الثورة الفلسطينية من لبنان وتسليم السلطة للكتائب.

 

في تموز انعقد اجتماع سرّي في الحزب (الشيوعي)، واتخذ قرار بمبدأ المقاومة…وفي تلك اللحظة بدأت. كنا ثلاثة جورج حاوي، خليل الدبس وأنا. ولم يدرٍ أحد في الحزب سوانا أنني متوليّ مسألة المقاومة”.

 

كان عطالله في ذاك الزمن المسؤول العسكري للحزب، أو بحسب التسمية مسؤول الحياة الداخلية، ولديه علاقاته السياسية الجيدة مع الفلسطينيين ومع وليد جنبلاط “بسبب تعذّر التواصل الهاتفي واللاسلكي، بدأتُ إرسال الرسائل الملفوفة، وكان الإعتماد، في الغالب، على الفتيات لإرسالها. وأقمت تواصلاً مع المسؤولين في كافة المناطق المحتلة قبل سقوط بيروت، ودخول القوات الإسرائيلية في 16 أيلول. وكنتُ قد هيّأت لبيروت 22 مقاتلاً من نخبة مقاتلينا، توزعوا على مجموعات صغيرة، بقي منهم 17 بعدما “فرطت” إحدى المجموعات”.

 

17 مقاتلاً لمواجهة جيش إسرائيلي يحتل بيروت. أليس في الأمر نوع من الجنون؟ سؤال بديهي يجيب عليه عطالله “في ذاك اليوم استلقيت على ظهري في منزل مارسيل خليفة، قرب ثكنة الحلو، وسألت نفسي: قدّيه في عقلانية باللي عم أعملو؟ وأنا شاهدت بأم العين وأنا أتمشّى بين الإسرائيليين الألوف منهم ومئات الدبابات. فكرت كثيراً وطلع معي أن الموت السياسي هو نفسه موت. وتذكرت بيت الشعر “وإذا لم يكن من الموت بدّ…” وفي آخر النهار، فليفعلوا كما فعلوا في صيدا، فتشوها كلها، فليفتشوا عنا في بيروت ويكمشونا”.

 

يتذكر عطالله تفاصيل التفاصيل، وكأن ما حدث قبل 38 صيفاً، حدث في الأمس الذي عبَر. “وأنا حيث أنا، فوجئت يوم 16 أيلول بدبابة إسرائيلية تمترس على رصيف البناية، وطلع عليها ضابط لبناني ونادى: يا أهالي حي السريان.غداً صباحاً تحملون أسلحتكم وتودعونها في الكنيسة. كنت ذاك اليوم جائعاً عاجزاً عن الإستحصال على طعام، ومتوجساً من المداهمات. ربطت قطعتي كلاشن بحبل رفيع وانزلتهما في “منور” البناية. وطلبت من شخص أعرفه في البناية ولا يعرفني ومعه سيارة رينو أورانج أن يقلني إلى شارع الجزائر. وافق. وصلنا الى منزل رفيق من آل المصري، بعد طرق غير مجدٍ على الباب. رميت حجارة ففتح. في تلك الليلة أمنت لقاء بيني وبين مسؤول مجموعات بيروت ( صحافي). ليلة 17 ما طلع من أمرنا شي. ليلة 18 لم نتمكن من تنظيم عمل جدي. ليلة 19/20 أيلول كانت عملية صيدلية بسترس. والتنفيذ الأول، للقرار الأول المتخذ في تموز من ذاك العام” وتم في تلك العملية رمي ثلاث قنابل عنقودية على سهرة نار أمام الصيدلية، وللمفارقة فإن المقاومين الثلاثة كانوا في البقعة التي تم فيها اغتيال الرئيس رينيه معوّض!

 

بعد العملية كتبت على ورقة “كدش”: “نُفذت العملية الأولى وكتبت بياناً تم توزيعه بطريقة سرية على الصحف. في اليوم التالي جهّزت العملية الثانية ضد مركز لناقلات جند إسرائيلية عند محطة أيوب. كانت ضربة مؤلمة. بعد الإنسحاب الإسرائيلي من بيروت زادت وتيرة العمليات لتصل إلى ثلاث كل يوم، خصوصاً في العامين 1986 و 1987. وفي تلك الفترة ظهر إسم المقاومة الإسلامية، بعدما قضت على قوة حركة أمل العسكرية في إقليم التفاح”.

 

وماذا عن الدور السوري، وموقفه من المقاومة الوطنية؟

 

يقول عطالله” أواخر العام 1985 استًدعينا جورج ( وأنا) عند غازي كنعان في أوتيل عقل في شتورة، وأبلغنا باسم حافظ الأسد، أن الرئيس يحبنا ويقدرنا كمناضلين وأنه ليس مسموحاً لنا القيام بعمليات من دون أخذ موافقته لأن هذا يندرج ضمن الأمن القومي كما أن هناك قوة مقاومة أخرى يجب التنسيق معها. لم يكن كنعان يلاحظ تبادل الإشارات بيني وبين جورج…بأقدامنا تحت الطاولة. يومها لم أشأ توريط جورج وقلت له: “أنا بحكي” ورديت على طلب كنعان أنه يستحيل عملانياً إبلاغك بعملياتنا. وحتى لو كنت قادرا لن ابلّغك. سأل كنعان: ولماذا؟ فكان جوابي “اللي بيقول إيه بيقول لأ. فإن طلبت موافقتكً على عملية جهّزتها قد تجيبيني بـ لا. فماذا تكون حجتي؟” عندها ضرب كنعان بكلتي يديه على الطاولة فطارت فناجين القهوة الثلاثة وسقطت على الأرض. وقال: سيكلّفكم هذا كثيراً. وبدأت الإغتيالات بقرار سوري وتنفيذ محلي.

 

ويرى عطالله أن ثمرات النضال الأول في الثمانينات “زُوّرت تزويراً كاملا، فالمقاومة بمفهومنا ليست مهنة. هي مهمّة وليس من شأنها تغيير نظام. كما أن الأرض المحررة تعود إلى الناس والدولة، بعد إتمام المهمة، وليس إلى الحزب”. ويكشف أن محاولة جرت لتغيير اسم جبهة المقاومة إلى حركة التحرير والتغيير كي يقال لدينا مشروع تغيير مع المقاومة الوطنية وهم لديهم مشروع تغيير إسلامي مع المقاومة. رفضت رفضاً مطلقا ورأيي كان ان ليس لدينا مشروع تغيير مع المقاومة. ولا مشروع تجاوز الحدود الدولية نحن ندافع عن استقلال لبنان بغياب الدولة ليس للقيام بحرب تحرير عربية. لسنا ذاهبين لتوحيد العالم العربي ولا لتحرير فلسطين.

 

أنا مشروعي تحرير بلدي المرتبط بمشروع آخر هو أن “يفلّ” السوري. نحن حزب لديه خط سياسي. المقاومة ليست خطاً سياسياً بل خياراً سياسياً وقراراً سياسياً. لقد شوّهت المقاومة الإسلامية المضمون التحريري لجبهة المقاومة وحولته إلى مشروع خارج الحدود.

 

ويتوقف عند لقاء حصل العام 2000 لفتح أبواب الحوار “اجتمعنا انطوان حداد وحكمت عيد ووائل أبو فاعور وأنا بمسؤولين في “حزب الله” لمناقشتهم بموضوع ما بعد تحرير الجنوب. لا تبريك ولا بيانات قلت. وافقوا. وكان بين مسؤولي الحزب الذين اجتمعنا معهم نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم. قلت لهم ” انا لو محلكم حررت الجنوب اقدم نفسي للشعب اللبناني حالة سياسية ضخمة”. يجاوب غالب أبو زينب: هذا هو كلام الأميركان تماماً. قلت له: أنت مخطئ. أنا لا أنقل كلام “بايت” أنا أنقله “طازة”. هذا ما أبلغني إياه نتنياهو…” فعلق قاسم متوجهاً إلى أبو زينب: غلّطت يا حاج. أنت لا تعرف إلى من تتوجه. هم السابقون ونحن اللاحقون”