IMLebanon

الخلاف بين بوصعب وقيادة الجيش… “الأمر لمن”؟

 

لعلها المرة الأولى التي يخرج فيها وزير دفاع إلى الإعلام متحدثاً بالعلن عن خلافاته مع قيادة الجيش، متطرّقاً إلى أمور تتعلق بخصوصية المؤسسة العسكرية. إطلالتان إعلاميتان خلال أقل من عشرة أيام كشف خلالهما الوزير الياس بو صعب الهوة في العلاقة بينه وبين قيادة الجيش، في وقت يلاحظ التزام قائد الجيش العماد جوزف عون الصمت حول علاقته بوزير الدفاع.

منذ قرابة الشهر تقريباً، لم يحصل أي لقاء أو تواصل بين وزير الدفاع وقائد الجيش علماً أن الطرفين عيّنتهما الجهة السياسية ذاتها كلّ في موقعه.

 

يُظهر ما قيل وأعلن وكأن المطلوب من وزير الدفاع أن يكون على خلاف مع قائد الجيش. وضمن هذا الإطار نجد من يغمز من قناة العلاقة المتينة بين وزير الدفاع ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي لم يخفِ مؤخراً علاقته السلبية مع العماد جوزف عون بقوله إنه سبق له أن اختلف مع قائدي الجيش السابقين ولكن بقيت علاقته معهما جيدة، ما فسّره البعض وكأنه يشجع بو صعب على العلاقة السلبية معه.

 

كان من أبرز نقاط الخلاف بين باسيل وقيادة الجيش إصرار الاخيرة على وقف التدخلات السياسية في المرافق المتعلقة بالمؤسسة العسكرية، وحصر علاقته وتلقي أوامره برئيس الجمهورية فقط لا غير. رفض طلبات وساطة، وفتح ملفات فساد وأخضع ضباطاً محاكمات حوّل بموجبها 17 ضابطاً للمحاكمة وتم تسريح آخرين ورفض تدخلات كل السياسيين من دون استثناء. كما رفض قائد الجيش اقتراح تغيير مدير المخابرات وتعيين بديل منه، وتوسّعت رقعة الخلاف مع بدء الحراك الشعبي واعتبار باسيل أن قيادة الجيش ومديرية المخابرات لا تضعان حداً لمسألة قطع الطرقات، ما انعكس سلباً على العلاقة بين قيادة الجيش و”حزب الله” بداية قبل أن تعود الامور الى طبيعتها في ما بعد. وفي احدى المرات، حيث كانت تجرى مناقشة بند موازنة القوى الأمنية في اللجان النيابية تصدّت وزيرة الداخلية لطلب تقليص الموازنة لتفاجأ بالوزير باسيل يقول لها “تصوّرت أنك ستقفين معي”. وبعد تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، عاد موضوع تغيير القوى الأمنية إلى طاولة البحث مجدداً، ومن بينهم قائد الجيش ومدير المخابرات وهو المطلب الذي رفضه “حزب الله” كما الرئيس المكلّف كلّ لإعتباراته.

 

أي صلاحيات للوزير؟

 

أما بالنسبة إلى الخلاف مع وزير الدفاع، فتفصح الملفات التي تحدث عنها بو صعب أن الخلاف الضمني بينه وبين قائد الجيش هو على المراجعات التي يجريها وزير الدفاع قبل أي توقيع من قبله بما يظهر وكأنه لا يولي ثقته للمجلس العسكري، وهو خلاف مرتبط بخلل في نظرة بو صعب إلى صلاحيات الوزير على المؤسسة العسكرية. منذ شغل حقيبة الدفاع حاول بو صعب التصرّف بمنطق القيّم على أمورها التقريرية، حاول التدخل حتى في تفاصيل صفقات الاسلحة والمساعدات العسكرية التي كانت تخصّص للجيش من الاميركيين. كشف قوله ان الخلاف مع العماد عون إداري وليس سياسياً عن سابقة الإعلان عن الخلاف بين وزير للدفاع والمؤسسة العسكرية.

 

ربما أراد تطبيق تجربته في وزارة التربية على الدفاع. إذ نجح في الأولى في تسويق صورته قريباً من الناس، لكنه بدا في الثانية مختلفاً في التعاطي والأداء ولم يأخذ في الاعتبار اختلاف الوزارتين، واختلاف مهام الوزير وصلاحياته في كلّ منهما.

 

لطالما كان أي وزير للدفاع يقع في سوء تقدير لصلاحياته على القيادة العسكرية، لكن مع بو صعب بدت الأمور أكثر تعقيداً لظنه أن بإمكانه أن يصدر التوجيهات إلى القوى العسكرية، أو أن صلاحياته مشابهة لصلاحيات وزير الداخلية وهذا غير واقعي.

 

شكلت إثارة بو صعب للملفات المتعلقة بالجيش إدانة واضحة إلى قائد الجيش، علماً أن مصادر عسكرية نفت ما أدلى به بو صعب وتحدثت بالتفصيل عن أحقية بعض الملفات التي أثارها، لتربط أساس المشكل في إصرار وزير الدفاع على تأخير التوقيع على المعاملات المحالة إليه من القيادة.

 

في ما يعود الى ملف الكاز، يشير المصدر العسكري إلى أن التأخر في المراسلات تسبّب بخسارة مليار ليرة كان يفترض أن يصار إلى صرفها من ضمن الموازنة. احيلت المعاملة الى الوزير بتاريخ 4- 10-2019 واحالها من جانبه الى مجلس الوزراء بتاريخ 20-11 -2019 اي بتأخير شهر ونصف.

 

كان يفترض بوزير تصريف الأعمال التوقيع على المعاملات المحالة اليه ولكنه أصرّ على موافقة رئيس الحكومة ووزير المالية، بينما كان بإمكانه بعد موافقة ديوان المحاسبة التسريع بالموافقات الشفهية بدل انتظار الموافقة الخطية وتوقيعها قبل انتهاء المدة قانوناً في 31 -12-2019. علما ان وزير الدفاع يستعين بالطوافات العسكرية أثناء زياراته العملانية الى الجنوب والشمال والبقاع.

 

وإذا كان بو صعب يرى ان تصرفاته منطلقة من حرصه على الجيش فإن المصادر عينها ترى أن الحرص لا ينبغي أن يتسبّب بخسائر للجيش ويعرقل امور المؤسسة العسكرية .تلامذة الحربية

 

أما لناحية تبريره امتناعه عن توقيع نتائج امتحانات قبول تلامذة ضباط للكلية الحربية من العسكريين لعدم قانونيتها، فجزمت المصادر بأن القيادة رفعت وجرياً على عادتها ثلاث لوائح، واحدة بأسماء مستوفية الشروط، لائحة لمن زاد عمرهم اربعة اشهر عن العمر المطلوب، ولائحة بالعدد الكامل لعدد المتقدمين، رفضها بو صعب طالباً أن ترفع اليه اللوائح كاملة قبيل صدور نتائج الامتحانات، علماً أن النتائج التي تسلمها موقعة من المجلس العسكري.

 

وفي حديثه عن وجود لائحة بمتقدّمين خلافاً للقانون، أوضحت المصادر ان قائد الجيش كان قد أصدر بعد تلقيه طلبات استرحام قراراً بمنح الحق بالتقدّم لحاملي الاجازة ممن بلغت اعمارهم 27 عاماً، ولمن لا تتجاوز أعمارهم 34 عاما لغير حاملي الاجازة الجامعية، أي أنه وافق على أن يتقدّم إلى المباراة من تجاوز السن المطلوبة بأربعة اشهر، نجح بموجب المباراة التي خضع اليها المتبارون 3 منهم فقط، رفض بو صعب التوقيع على نتائجهم، واعتبرها مخالفة للقانون. بناء على قول المصادر كان بإمكانه وعلى سبيل اظهار حسن نية ان يوقع اللوائح الاولى ويمتنع عن توقيع الملحق، ويؤمن التحاق الناجحين الى السنة الاولى في الكلية الحربية بدل تأخر السنة الدراسية في الحربية واقتصار العام الدراسي على طالبين فقط راسبين تبلغ كلفة دراستهما مليون ليرة يومياً.علماً أن قائد الجيش كان شرح الموضوع شفهياً لوزير الدفاع ورئيس الجمهورية ونال موافقة رئيسي مجلس النواب والحكومة.

 

وفي شأن صندوق الطوابع في الطبابة، أكدت المصادر العسكرية أن عائدات هذه الطوابع مخصّصة لصرف بدل دواء الأمراض المستعصية التي لا تتكفل بصرفها الدولة كاملة، ودفع بدل تعاقد مع أطباء مدنيين بكلفة 20 الف ليرة عن كل ساعة. على ان هذه الاموال تخضع لرقابة الطبابة وقيادة الجيش… بينما كان من المستغرب أن وزير الدفاع ومنذ تسلّمه مهامه كان يعطي الأولوية لتوقيع رخص السلاح المحالة إليه من الاحزاب والقوى السياسية، اكثر من تلك المحالة إليه من الجيش.