IMLebanon

قصّة “المتحرّش” الكاملة في بلدة القاع

 

هنا القاع. هنا أبطال القاع. هنا شارع أبطال 27 حزيران 2016. وهنا طريق شهداء الإرهاب… وهنا، منذ أسبوع، قامت الدنيا ولم تقعد بعد… الكلام كثير والروايات أكثر وسيناريوات كثيرة، رُشّ عليها الملح والبهار، عن ذئب يتحرش بالأطفال في قلب الضيعة. هي قصص تداعب المشاعر وتوسّع خيالات الناس كثيراً، حتى أن هناك من قال: في كل عبارة نكتبها القليل من الحقيقة والكثير من الخيال! فهل كل ما سمعناه على مدى أسبوع عن القاع في بلد أصبح تحت القاعن حقيقة؟ فلنذهب معاً الى هناك بحثاً عمّا لم نسمعه بعد أو ما سمعناه، وفيه بعض الحقيقة لا كلها.

لأن الحقيقة تخرج من فمّ الأطفال، نُصدّق ان شيئاً ما قد حصل فوق. نُصدق أن الياس ضاهر مجرم إرتكب أفعالاً مشينة في حق أطفال. لكن ماذا عن طبيعتها؟ وماذا عن ضاهر ذاك الذي في الضيعة 15 واحداً على اسمه؟

 

القاع، كما غالبية البلدات في محيط القاع، خزان للجيش اللبناني. والمرتكب كان في الجيش وتقاعد. كان تحديداً في لواء الدعم فوج الإشارة وتقاعد في العام 2013. ومنذ ذاك الحين صعد الى فوق، الى بلدته القاع التي تبعد نحو 140 كيلومتراً، وسكن فيها. هو لديه ثلاثة بيوت فيها لكنه يسكن في بيت أهله. والداه توفيا وإخوته، الشباب الخمسة، يسكنون في بيروت ولديه شقيقة واحدة تسكن فوق ولديها سوبرماركت في قلب البلدة.

 

 

مارالياس، شفيع القاع، في الإستقبال دائما. نمر الى جانبه. نتمهل. نرسم شارة الصليب. ثم نمر جنب البلدية حيث رئيسها الديناميكي بشير مطر لا يكلّ ولا يهدأ. ونتابع نحو بيت المجرم – المغتصب. هو يسكن في شارع «الحواض» في البلدة. الشمس حارقة وامرأة ورجل، في المقلب الثالث من العمر، يصلون المسبحة عند الظهر. وفي البيت المحاذي، حيث البوابة السوداء، كان يسكن المتحرش الياس. ندخل. سيارته وهي من نوع جيب شيروكي قديم، رمادية اللون، في الساحة الداخلية، حيث «السطيحة» التي كانت تشهد على ليالي السهر اليومية التي تجمع الياس، ابن الخمسين، مع اولاد الحيّ. كانوا يأتون «ليليي» ويشربون النرجيلة وهم لم يتجاوزوا بعد الثامنة عشرة. كلسات سوداء لا تزال معلقة على الحبل الخارجي وصوت في داخل البيت ومرجوحة عتيقة. نقرع الباب فيفتح لنا رجل خمسيني هو شقيق الياس. يستقبلنا بحذر وهو الذي صعد الى القاع منذ أيام ليتابع عن قرب ما حدث وما قد يحدث. عم المغتصب في الدار. ولديه عم آخر هو مختار القاع إبراهيم ضاهر.

 

أسئلة وملح وبهار

لا شارة ولا شمع أحمر على الباب. ندخل. والدة المتحرش في صورة مؤطرة بالأسود في صدر الدار. وهناك ثلاث كنبات عتيقة وتلفاز وستيريو وفيديو. هنا، على الأرجح، كانت تحدث «جريمة» أو «جرائم التحرش أو الإغتصاب»؟ ربما. لا شيء أكيد. دمعتان معلقتان بين رمشي شقيق الياس ضاهر. فهو كان يصعد الى القاع رافع الرأس أما اليوم فيخشى من عيون الناس. وبدل أن نسأله يسألنا: لماذا لم يجروا فحوصات عبر طبيب شرعي على الأطفال ليتأكدوا إذا كانت هناك بالفعل واقعة إغتصاب؟ سؤال وجيه.

 

هو رآه مرتين، مرة يوم أوقف في مخفر راس بعلبك. كان مرهقا جداً. خائفاً. ووجهه أسود. منذ يومين عاد ورآه في قصر عدل بعلبك. أخذ معه منقوشة وسبعة أدوية يأخذها المتحرش. رأى وجهه من الطاقة وحاول ان يتكلم معه فصرخ فيه العسكري. هو ما زال يستجوب والبارحة كانت هناك جلسة معه. لا محاميَ له. لم يتم تعيين محام له. ويقول: «قد يكون الياس أخطأ وتحرش بأطفال لكن «كلام الناس» أضفى كثيراً من الملح والبهار على الحادثة».

 

نصدقه. حين يكون الكلام عن تحرش بطفل لا يعود الكلام مجدياً فكيف بأطفال؟ شقيقه يعرف ذلك. لكنه أخ ودموعه تشهد على حجم القلق الذي يجتاحه وجعل «صيت العيلة في الأرض». ننظر الى الغرفة المجاورة، الى غرفة النوم. هناك سريران. وكل شيء في مكانه. وفي المطبخ صندوق مياه غازية «إشربا وردا». هو كريم وكان يستقبل كل طفل ومراهق بقنينة مشروب ويجلس مساء عدد منهم على «السطيحة» ينفثون النرجيلة معاً. هو لا يدخن منذ أجرى عملية جراحية في القلب قبل ثلاثة أعوام. لكن، ماذا قد يجمع رجلاً خمسينياً بشبان مراهقين؟ الجواب يصلنا من جار، على بعد مبنيين، يقول: «كان يجد هؤلاء منفثاً لهم وكان أهلهم يسمحون ببقائهم في داره وهذه هي المصيبة». المصيبة ان هناك اهالي لا يبالون لا أين يذهب أولادهم ولا ماذا يفعلون بعيداً عن أعينهم. وعلى الأرجح، كانوا يشاهدون معاً أفلاماً خلاعية ويقومون بمداعبات لكن لا شيء أكيد. مجرد تكهنات.

 

نعود الى شقيقه. هو لا ينكر أن يكون قد حصل شيء مماثل لكن، ما لا يفهمه هو الكلام عن عشرين طفلاً او ثلاثين أو حتى أربعين يبالغون في الكلام في حين أن التحقيقات لم تقل بعد أي كلمة. فقد يكونون خمسة أو اثنين أو ربما طفلاً واحداً تعرض الى تحرش. وواجب الطبيب الشرعي أن يؤكد لكن، ما حصل أن لا تأكيد على شيء سوى على كلام الناس.

 

ماذا عن المخدرات التي حكي عنها؟ يجيب شقيقه «لم نسمع عنها شيئاً باستثناء ما ذكر في الإعلام. ولو كان ذلك حقيقة لأقفل باب البيت ربما بالشمع الأحمر. في كل حال هاتفه أصبح مع المخابرات فليتحروا عن كل ما فيه». لم يكن الياس ضاهر في منزله حين وصلت المخابرات بل كان في سوبرماركت شقيقته القريب في «الحاكورة». اتصلوا به ودعوه للمجيء. أتى فأخذوه ليشرب فنجان قهوة معهم. وهكذا بدأت الحكاية. ولم يكن هناك أي طفل عار ولا شيء من هذا القبيل.

 

ترى، هل يحاول أهالي القاع «لفلفة» قضية بهذا الحجم؟ هل ينتمي المتحرش الياس ضاهر الى تيار أو حزب؟ هناك، يتحدثون عن إنضوائه في فترة ما في «سرايا المقاومة». وهو أقرب الى التيار الوطني الحر في البلدة لكنه لم يحمل يوما بطاقة حزبية. والنائب سامر التوم كان طبيبه. وهو عازب، إرتبط رسمياً بفتاة من البلدة قبل عامين لكنهما عادا وافترقا.

 

 

حال طوارئ

 

ما رأي رئيس بلدية القاع بشير مطر بكل الكلام الذي نُقل عن وساطة ما قام بها نائب المنطقة سامر التوم من أجل لفلفة القضية؟ وهل يحاول هو «الريّس بشير» ذلك أيضاً؟ يبدو رئيس البلدية مشغولاً اليوم في مواجهة إرتكابات بعض الأهالي بحق أولادهم أولاً، باهتمامهم بأمور كثيرة كأولوية على حساب أطفالهم. لهذا نراه على عجلة للقاء جمعيات تعنى بالطفولة ويرتب كيفية توفير الدعم النفسي الإجتماعي الى الأطفال ويقول: «نحن اليوم في حال طوارئ تضم كل فعاليات البلدة من أجل توفير الحماية لأسماء الأطفال الخمسة التي قيل أنها تعرضت الى التحرش».

 

هي خمسة أسماء أو عشرين اسما؟ يجيب: «دور النيابة العامة تحديد الأسماء والعدد. نحن سمعنا عن خمسة. وأهل الياس ضاهر إستنكروا الموضوع وأدانوه. أما همنا نحن فهو حماية جميع أولادنا. وطلبنا من المعنيين إجراء فحوصات على بول الأطفال للتأكد ما إذا كان فيها آثار مخدرات. وطالبنا بتوفير هكذا فحوصات في مستوصفات البلدة وفي المدارس. وهذه مسؤولية الدولة والأهالي. الأولاد مسؤولية. ويستطرد: دعونا الى إجتماع يضم جميع الفاعليات في البلدة وبينهم النائب سامر التوم. إتصلت به شخصيا قبل نصف ساعة فلم يستطع المجيء فبدأت الشائعات».

 

القاع اليوم هادئة أكثر من المعتاد. أهلها، بسبب غلاء البنزين، لم يصعدوا إليها هذا الصيف. وجيران بيت المتحرش يحكون عن «نخوة» إستثنائية لديه. فهو على إستعداد دائم للمساعدة. شقيقه يقول: «هو لا يشكو من أي مشاكل نفسية» في حين جيران البيت يتحدثون «عن مشاكل نفسية أصابته بعد وفاة والدته، ولا أحد يمكنه التكهن بما يحدث داخل جدران البيوت. ربة البيت تتحدث عن شاب، في الرابعة او الخامسة عشرة رأته يقرع باب بيته منذ يومين. هو كان يضع حقيبته على ظهره وقبعة على رأسه. قرع الباب كثيراً وحين لم يفتح له غادر».

 

نعود لنسأل: ماذا قد يربط رجلاً في الخمسين بأطفال في الـ «تعش»؟ سؤال لا يجد جواباً سوى ان الياس ضاهر، الذي يبدو في الظاهر سويّاً، كانت لديه مشاكله النفسية التي قد تكون دفعته الى إتاحة هامش من الحرية الى الأطفال لم يجدوه في بيوتهم. وهو قد يكون شاركهم بها. لم يكن يجبر أحداً على القدوم ولا على «الفعل» لكنه كان ميسراً له. هذا تحليل من قِبل الأهالي أنفسهم الذين يلومون الأهالي الذين يسمحون لأطفالهم أن يذهبوا مع من يتهم اليوم بالتحرش للعشاء على ضفاف نهر العاصي ثم يعودون معه لتكملة السهرة في بيته.

 

مسؤولية مشتركة

 

ثمة مسؤولية متعددة الأطراف. الأهالي مسؤولون كما المتحرش. وثمة كلام يدور فوق عن بنات أيضا كنّ يشاركنّ في «السهر» وكلام آخر عن ان أطفالا سوريين قد يكونون أيضا ضحايا. لا شيء مستبعد ولا شيء يمكن الجزم به. لكن، ما يلتقي حوله الجميع هو تسرع بعض النواب مثل سينتيا زرازير وبولا يعقوبيان ونجاة صليبا الى «إصدار الإتهامات» بدل الطلب بإجراء الفحوصات اللازمة على الأطفال. أمر آخر أغضب أهالي القاع وهو كلام مايا دياب عن «سفاح القاع» وقولها: أنا أهل هالعشرين ولدا اللي اغتصبوا». فلتبادر الفنانة الى طلب إجراء فحوصات الطب الشرعي على هؤلاء الأطفال».

 

مايا دياب طالبت بإعدام «الحيوان» الياس ضاهر. وهو لا بُدّ حيوان إذا ثبتت فعلته. وهنا طالبها رئيس البلدية بشير مطر «أن تصعد الى القاع وتقوم بنشاطات توعوية بدل أن تُمسك بما حصل من طرف الخيط».

 

لا، لا أحد يلفلف القضية في بلدة القاع بل الجميع يطالبون عند إنتهاء التحقيق بتعليق مشنقة الياس ضاهر إذا ثبتت إدانته في نصف البلدة. فأي ولد يعتدى عليه هو إبن كل القاع.

 

لا أطفال في كل القاع اليوم. جميعهم في بيوتهم. فالحادثة – الجريمة جعلتهم على يقين أن المعالجة تستلزم ما يُشبه الدواء المرّ لتعود الحياة الى شرايين البلدة. وتستلزم أيضا أن يفتح الأهالي، من اليوم وصاعداً، عيونهم عشرة عشرة، حتى ولو كانت همومهم كثيرة كثيرة.

 

هناك، في القاع، مشى وراءنا رجل وراح يسأل بإلحاح: هل توزعون إعاشة؟ رجل آخر إسمه على إسم الياس ضاهر قال: دمرتني الإشاعات. رجل ثالث قال لنا قبل أن نغادر: «لا نريد إلا العدالة».