ليس من الضروري طرح أسئلة عويصة عن الأهداف الإيرانية “المخبّأة” خلف هذه الطحشة العسكريّة الحربجيّة اللافتة في أربع دول عربيّة تتأجّج نيران الحروب فيها منذ فترة طويلة. والخير لقدّام.
ذلك أن لطهران طموحات ومآرب شتّى. في مقدّمها بسط السيطرة المباشرة على ما من شأنه تحقيق “الهلال الشيعي” الذي بشّر به، أو نبّه إليه، العاهل الأردني عبدالله الثاني قبل ما يقارب العامين.
فضلاً عن ذلك التطلُّع، بكل جدّية واعتداد، إلى إمكان استعادة “حلم الزعامة” القديم تحت رايات جديدة، منها راية الاتفاق النووي مع واشنطن.
الآن، في هذه الساعات الحرجة للغاية، لن يكون من السهل فرز ما هو قابل للتحقيق عما هو مجرّد أمنيات لا تختلف عنها أحلام ليالي الصيف.
قد يكون، وقد لا يكون. قد يتحقّق بعض الأهداف التي تبدو ملامحها للعيان من خلال المعارك الطاحنة، وساحاتها، و”ميولها”، وقد تجري رياح التطوّرات بما لا تشتهي سفن النظام الإيراني الذي تخالجه مشاعر الحنين إلى “انبعاث” تلك الامبراطوريّة من بين ركام الماضي وحطام الحاضر.
هذا ما يندرج بسهولة تحت عنوان “جنون العظمة”، أو “واقعيّة الجنون”.
إلا أن ما يدعو للتريّث والتأمّل في ما يحصل على أرض العراق وسوريا واليمن وليبيا، وما يعيشه لبنان البلا رئيس منذ عشرة أشهر وبضعة أيام، هو التسليم الدولي بالدور الإيراني في الدرجة الأولى. ثم الارتياح الأميركي الذي لم يجد ثمة حاجة لطلعة جويّة واحدة تضم تشكيلة من مقاتلات ما يسمّى الائتلاف الدولي.
مع أخذ عدم تسجيل اعتراض خليجي يُذكر في الاعتبار.
إذاً، السؤال الكبير والمحيّر ليس هنا، وتالياً، ليس موجّهاً إلى إيران وهوسها التوسعي بقدر ما هو موجّه في اتجاه امبراطوريّة العصر المنسحبة من المنطقة عسكرياً، وهو الآتي:
ماذا تريد واشنطن أن تقول، وإلى مَنْ تبعث برسائلها المرمَّزة حين يشنّ وزير خارجيّتها جون كيري هجوماً عنيفاً و”تأنيباً” صارماً لإيران، قبل أن يغادر الأراضي السعوديّة؟
ثم، ألم يتزوّد السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل موافقة على الأقل، إن لم يكن ينفّذ طلباً عاجلاً، حين شهر غضبه ضد إيران، وصاغ رسالته الشفهيّة المباشرة بعبارات ساخنة ضد “حزب الله” واتهامه له بـ”اتخاذ قرارات الحياة والموت نيابة عن كل لبنان”؟
كيف نوفّق بين هذه المواقف والتصريحات، والغزَل المرفق بالضحك من القلب الصادر أحياناً عن وزيري خارجيّة البلدين بعد كل اجتماع لكيري وظريف وثالثهما الملف النووي؟
هذا شيء، وذاك شيء آخر. أما بالنسبة إلى الفراغ الرئاسي في لبنان، فهو لا يزال رهين المحبسين وأسير الضحكتين.