في الذكرى الحادية عشرة لمحاولة اغتيال الوزير الصديق الياس المرّ، لا يسعني إلّا أن أشكر ربي على أنّه نجّاه من الموت. بعد سلسلة العمليات الجراحية التي لم تنتهِ بعد، لم يتغلّب المرّ على أوجاعه فقط وإنّما أبقى على عنفوانه وعلى نضاله في سبيل الحقّ ومواجهة الإرهاب ما خوّله تبوُّء المنصب الدولي الرفيع على رأس مؤسسة الإنتربول.
قضية اغتيال المرّ انتقلت مبدئياً الى لاهاي بعدما وُجد الرابط مع قضية اغتيال الرئيس الحريري، تماماً كما حصل مع قضيّتين أُخريَيْن هما قضيتا مروان حمادة وجورج حاوي. لكننا ما زلنا بانتظار القرار الظني في كلٍّ من هذه القضايا.
في هذا اليوم، لا يسعني إلّا أن أتوقّف عند ظاهرة لافتة. ففي لبنان لا تُكشف إلّا التفجيرات التي تطاول فريق “8 آذار” و”حزب الله”. حتى الآن لم يُلقَ القبض على أيّ منفّذ لجريمة طاولت رمزاً مستقلّاً أو رمزاً من رموز “14 آذار” أو حليفاً لهم. حتى تفجير الـBLOM Bank لم يُكشف الى اليوم منفّذوه.
في أفضل الأحوال يُعلن عن مقتل المتهمين في حرب سوريا، تماماً كما حصل مع محمود حايك المتهم بمحاولة اغتيال الوزير بطرس حرب عام 2012.
بالأمس أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان أنّ أدلّة كافية قُدّمت لإثبات وفاة مصطفى بدر الدين وأوقفت الإجراءات ضده، معلنةً أنّه بذلك يمكن أن تتواصل إجراءات المحاكمة ضدّ عياش والمتهمين الأربعة الباقين.
هل مَن يقنعنا أنّ محاكمة هؤلاء ستحصل، أم أننا سنستيقظ يوماً على خبر مقتلهم الواحد بعد الآخر في سوريا وينتهي بذلك مبرّرُ وجود هذه المحكمة التي كانت حرب داحس والغبراء لتأسيسها…
من المسؤولين الأمنيين في نظام (الرئيس السوري) بشار المطلعين على خفايا الأمور الى القادة الأمنيين في “حزب الله”، كلّهم يتهاوون ويتمّ إخفاء خيوط الجرائم معهم.
بعد الإنتحار اللغز في تشرين الأول 2005 لغازي كنعان، أكبر رموز الأمن السوري ورئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان ثمّ وزير الداخلية في سوريا من تشرين الأول 2003 حتى انتحاره، جاء اغتيال عماد مغنية في شباط 2008، وهو قائد العمليات الدولية في “حزب الله”، وذلك في أحد شوارع دمشق الهادئة. وبعد أقل من ستة أشهر أُعلن عن اغتيال العميد محمد سليمان الذي كان كما يُقال “كلّ شيء” في سوريا، والتهمة وُجّهت يومها الى الموساد الإسرائيلي.
ثمّ كان ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن ضلوع النظام السوري في تفجير أحد مكاتب الأمن القومي في دمشق عام 2012، ما أسفر عن مقتل زوج شقيقة بشار الأسد، آصف شوكت، وثلاثة من كبار المسؤولين السوريين.
ثمّ جاء دور تصفية رستم غزالي المفاجِئة كتتويج لأكثر من وفاة متعلّقة بالوجود السوري في لبنان وما رافقها من روايات تُثير الكثير من علامات الاستفهام، في ظلّ وجود شبهات عن علاقة غزالي باغتيال الرئيس الحريري.
والآن جاء مقتل المتهم الرئيسي في اغتيال الحريري، مصطفى بدر الدين، القائد الميداني في حرب سوريا والمعروف برجل الظلّ في “حزب الله” أو “نصرالله الميدان”، في أيار من هذا العام… والحبل على الجرار.
إذا استمرّت الأمور على هذا المنوال، مع استمرار الحرب في سوريا وخفاياها، ستنتفي علّة وجود المحكمة الخاصة بلبنان التي أُنشئت للنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر قضايا الاغتيال التي لها رابط مع اغتيال الحريري.
ستُلغى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي من أساسها، وتُعتبر كأنّها لم تكن، تماماً كما أراد “حزب الله” منذ البداية، لأنّه لن يعود لديها إلّا الموتى والأشباح لتحاكمهم!