IMLebanon

أتطالبُ حقاً بانقلاب؟

 

 

لا ضرورة للتكرار. يعرف اللبنانيون جميعاً أننا في أسفل الدركات. لم يسبق أن كحَّلوا عيونهم طوال السنين الطويلة العجاف بمشهد قاضية تتسلّح بحدّاد وغوغاء بدل مطرقة عدل وكِتاب، وبرلماني عتيق يدعو الى انقلاب عسكري بدل تجديد وكالة الناس!

 

لا تمثّل غادة عون شخصها، بل ذروة انهيار أحاق تدريجاً بالمؤسسات منذ استولت الميليشيات برعاية الوصاية على الدولة وحلَّت فيها بدل ان تحل عنها. لكنها تثير أسوأ أنواع الخوف، لأن الغريق اللبناني يتمسك بقشة القضاء. أما الخشية من توسع عدم الانصياع للتراتبية فمشروعةٌ لأن معظم قيادات القضاء والأمن يلوذ بمذاهب وزعامات، وما أدراكم كم حاضرة لدى “أولي الأمر” ذهنية الاستتباع واستخدام مواقع الدولة لمصلحة العصبيات والعصابات، ولو هُدَّ ما تبقى من بناء.

 

وصلنا الى الخط الأحمر في أكثر من اتجاه. وما الأزمة الحكومية المشبوهة إلا مؤشر اضافي خطر الى انسداد الأفق، ربما لفتحه على مشاريع تغيّر وجه لبنان. لذلك مثير للاهتمام قلبُ الفرزلي ظهرَ المِجَن للعهد الذي ارتوى بنظرياته حول “استيلاد” الرئيس القوي ثم “استجهاض” القانون الارثوذكسي. فنائب رئيس مجلس النواب ضليع عموماً في ما يخفى على العوام، ولا يتردد في الترويج للأفكار بلا اقتناع، ولا ينطق عن هوىً كونه نديم ساكن عين التينة وشريكه في رصد الأنواء.

 

يصعب الاقتناع بأن الفرزلي، باقتراحه تسلّم الجيش السلطة، يتوقع تحقُّق ما يدعو اليه. فهو بخبرته الطويلة يعلم أن الجيش لا يمارس دوره بدون توافق، وتورَّط بالويلات حين أُخرج عن المسار. يكون موحَّداً اذا توحّد اللبنانيون حوله، فيما يغدو مشلولاً إذا اختلفوا عليه. أما كلام “دولة الرئيس” الجوهري فهو أن “يبعت الجيش رئيس الجمهورية الى البيت”، وهي حتماً رسالة متعدّدة الأنياب تدشّن العدّ العكسي للعهد وخلافة الرئيس عون.

 

كان يمكن لدولة نائب الرئيس صوغ رغبته من غير توسّل المؤسسة العسكرية ووضعها في مواجهة رئيس يعرِّف عن نفسه بـ”أنا الجنرال”. صحيح ان كلام الفرزلي يجد تأييداً عند أكثرية يئست من الجميع فيما تنظر الى مؤسسة الجيش باحترام، لكن يلزمه جهد عظيم ليقنع عارفيه بأنه لا يغطي “السموات بالقبوات” لـ”غاية في نفس يعقوب” وأنه يضرب بسيف قناعاته وليس بسلاح مستعار.

 

لا انقلابات في لبنان. لم تحدث، ولن تحدث. ولم نعش حتى العام 2021 لتغرينا “المنظومة” بالحل العسكري تعميةً على دورها في الانهيار. كان يمكن للجيش ان يكون شريكاً مع الثورة في التغيير على طريقة “الحل السوداني” لو كان في البلاد سلاحٌ لا سلاحان، والإمرة والقيادة فيهما قولٌ واحد وليس فيهما قولان.

 

كان أجدى لو طالب الرئيس الفرزلي بتقديم موعد الانتخابات ليفتح باب انهاء حال الاستعصاء وتجديد السلطات، فيذهب الرئيس بكرامته الى البيت ويتحمل اللبنانيون مسؤولية خياراتهم في صناديق الاقتراع. أما الجيش، فليتركْه ضمانة أخيرة للدستور، تستعاد في ظله السيادة وتُقَر استقلالية القضاء لترجع حقوق الناس وكراماتهم بلا كسر وخلع او إنقلاب.