Site icon IMLebanon

القضاء على داعش ليس الأولوية القصوى

التاريخ مملوء بالمفارقات، سواء حين يكرر نفسه أو عندما يتبنى الحكام ورؤساء الأحزاب سياسات خصومهم بسبب تبدل المواقع والمصالح والحسابات. وأبسط ما نراه ونسمعه في الواقع الحالي هو أن كل الذين سخروا من الرئيس جورج بوش الابن يستخدمون منطقه ويقفون الى يمين نائبه المتشدد ديك تشيني. من الرئيس باراك أوباما الذي جاء به الى البيت الأبيض أنه ليس بوش الى الرئيس فلاديمير بوتين الذي جاء به الى الكرملين الثأر لروسيا من اذلال الغرب لها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي مروراً بالمسؤولين في أوروبا والمسؤولين المتصارعين في الشرق الأوسط.

بوش الابن أعطى الأولوية القصوى للحرب على الارهاب بعد تفجير البرجين عام ٢٠٠١، واندفع في غزو افغانستان ثم العراق. وهو ارتكب من الأغلاط في ممارسة غطرسة القوة ما قاد الى تنظيمات ارهابية اشد خطورة من القاعدة وما بدل قواعد اللعبة في الصراع الجيوسياسي بطابعه المذهبي. وهم جميعاً يعطون الأولوية للحرب على الارهاب، وخصوصاً بعد ظهور داعش واعلانه دولة الخلافة في أجزاء من العراق وسوريا. وكل الأهداف والسياسات في الصراعات والحروب تبدو مغطاة بشعار وحيد هو الحرب على الارهاب.

لكن القضاء النهائي على داعش ليس أولوية قصوى. لا على أجندة التحالف الاقليمي والدولي الذي تقوده أميركا وتلعب الدور الأهم في الغارات الجوية على مواقع التنظيم في العراق وسوريا منذ أكثر من عام. ولا على أجندة الائتلاف الرباعي الذي تقوده روسيا وتتولى هي القصف الجوي منذ ٣٠ ايلول الماضي بما يتجاوز بالطبع تقديم غطاء جوي للعمليات البرية التي تقوم بها قوات النظام والحرس الثوري الايراني وحزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية. فما يخدم الأهداف الأميركية والروسية، على ما فيها من تناقض وتكامل، هو في المرحلة الحالية استراتيجية الاحتواء. أوباما يتحدث عن إضعاف داعش من دون تقوية النظام. وبوتين يتحدث عن دعم الأسد في دحر الارهاب ويراه المخرج السليم من الأزمة.

ولا أحد يعرف متى تنتهي وظيفة داعش لدى كل طرف. لكن الكل يعرف أن القضاء النهائي على داعش مهمة معقدة تحتاج الى سنوات، وأن تأجيل التسوية الى ما بعد إنهاء الارهاب هو وصفة لاستمرار الحرب. فكيف اذا كان شعار داعش هو أن الدولة الاسلامية باقية وتتمدد؟ وكيف اذا كان الخليفة الداعشي ابو بكر البغدادي يحلم، كما قال في تموز ٢٠١٤، بأن الدولة الاسلامية ستوحد القوقازي والهندي والصيني والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي والأميركي والفرنسي والألماني والأسترالي؟

التاريخ، تكراراً، مملوء مع المفارقات بالكوابيس.