IMLebanon

جسد إيلا المبتور ورأس لبنان المقطوع

كتب لي أحد الأصدقاء، جملة صاعقة، مرعبة، لا تنفك تتردد في ذهني مذ قرأتُها. قال: “ألا ترين معي أن جسد الطفلة إيلا طنوس المبتور من أطرافه، هو استعارة للمواطن اللبناني اليوم، مثلما هم ضحايا “داعش”، برؤوسهم المقطوعة المتدحرجة، استعارة للجمهورية اللبنانية البلا رأس؟”.

كم أن صديقي على حق. جميعنا إيلا في هذه الأيام: كيانات بَتَرَت قدراتِها الأنانيةُ والجهل والفساد والإرهاب والإحباط والاستخفاف والتعصب والمصالح الضيقة والتناتشات، حيث بات لبنان “مدَعْوَشاً”، مقطوع الرأس، مذبوحاً من الوريد الى الوريد.

لقد نال منا التعب، وسط هذا القتل كله، وتحت سيوف التهويل والخوف والقلق التي تخيّم علينا. ولقد تعبنا حتى من التعب نفسه، بل يتراءى لي أحياناً أننا نحن اللبنانيين عالقون في نفق من الرعب، في مدينة ملاهٍ عبثية. نفق لا ينتهي، وهو، بعد كل منعطف، يزداد بشاعة وهولاً وحلكة.

ثمّ، أليس جسد إيلا استعارة لسوريا أيضاً، مع كل ما يحدث فيها من آلام وتفكيكات وأهوال ومصائب وطغيان، في وقتٍ يتلهى العالم عنها ويدّعي بأن مأساتها لا تعنيه مباشرةً؟ نقرأ عن عمليات التعذيب والقتل والإرهاب المنظم والممنهج، لكننا مع ذلك، نواصل حياتنا “الطبيعية”، بلا مبالاة، ونسمّي هذا الذي يجري بأنه “غريزة صمود”، توحي بأن ليس ثمة أطفال ينزفون، وليس ثمة أحرار يعانون التنكيل، وليس ثمة شعب بأكمله يتعرض للإبادة البطيئة.

وبعد، أليس جسد إيلا استعارة، أيضاً، لفلسطين؟ دولة عنصرية استبدادية جائرة تستبيح حقوق شعب بأكمله، تقتله وتغتصب أرضه، تحت أنظار العالم الذي يتفرج. أحياناً، أحياناً فقط، يُسمع صوت خافت وخجول يدين هذا الظلم، في حين يواصل الآخرون حياتهم ويتابعون ما يجري كأنه مسلسل على التلفزيون. وهناك مَن يروح يتحدث عن ضرورة إحلال “السلام”. ولكن، أيّ سلام هو هذا، إن يُبنى على اغتصاب الحق وجثث الأطفال؟

ثم ماذا عن العراق، واليمن، ومصر، وسواها من بلدان المرارة والموت؟ أشعر أحياناً عندما انظر إلى العالم، إلى أرجائه كافةً، بأني لا أرى إلاّ صورة القوي تلغي الصور الأخرى، لتحلّ محلها. فتكون هي وحدها الصورة.

أشعر أحياناً عندما أنظر إلى العالم، بأن الحق هو دائماً مع المغتصب، القادر على الابتزاز، وفرض الشروط والمعايير.

أشعر أحياناً عندما أنظر إلى العالم، بأن السلام خرافة، ومحض اختراع نظري، وليس على الشعوب المقموعة والضعيفة إلاّ أن تظل تسافر وراء تلك الخرافة، بحثاً عن سراب ليس إلاّ.

ترى، متى ينبت للبنان رأسٌ ينجّي كيانه وشعبه من الشلل، و… البتر؟