Site icon IMLebanon

إليوت أبرامز عن حرب تموز 2006: هذا ما أرادته واشنطن من هزيمة حزب الله… وفشلَت

فشَلُ الجيش الإسرائيلي في إلحاق الهزيمة بحزب الله عام 2006، منَعَ الولايات المتحدة من تحقيق الأهداف السياسية المرسومة للحرب، في لبنان والمنطقة. هذا الإقرار لم يصدر عن قطب من أقطاب المقاومة ومحورها، بل عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأميركي، جورج بوش، أكد فيه أن عجز الجيش الإسرائيلي في مقابل حزب الله، سبّب خيبات أمل لدى إدارة بوش، وأفشل مخططاتها للبنان والمنطقة

كتب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، والمسؤول عن السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، إليوت أبرامز، مقالاً طويلاً صدر قبل يومين عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، ضمنه جملة من المعطيات والوقائع، وكشف لخيبات الأمل والإقرار بالعجز والفشل الأميركيين، اللذين سبّبهما الفشل الإسرائيلي في مواجهة حزب الله عسكرياً.

بدا أبرامز، كمن يكشف عن أسرار وحقائق غائبة. لكنه لم يأت بجديد في ما يتعلق بخلفيات الحرب وأهدافها. مع ذلك، تبقى أهمية ما ورد عنه، في أنه صادر عن شخصية كانت في موقع صناعة القرار في الإدارة الأميركية في ذلك الحين، وكان على دراية واطلاع بحقيقة أهداف الحرب والمجريات الميدانية والسياسية ونتائجها.

يكشف أبرامز ويُقرّ بأن الحرب التي بدأت بعد عملية أسر حزب الله لجنود إسرائيليين في 12 تموز 2006، كانت جزءاً من خطة أميركية تستهدف إطباق السيطرة على لبنان والمنطقة. وتحديداً، شطب حزب الله من المعادلة الداخلية اللبنانية، إن أمكن، أو إضعافه إلى الحدّ الذي يكفل للأميركيين إنجاح أهدافهم في الساحة اللبنانية، وتعزيز المحور المؤيد والتابع لهم، وهو حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتيار المستقبل. أداة التنفيذ هذه المرة، كانت الجيش الإسرائيلي، إلا أنه مُني بفشل ذريع.

بدا أبرامز مباشراً وواضحاً من خلال تأكيده أن أهداف الحرب أيضاً، كانت مرتبطة بالمعادلات الإقليمية، بما يؤدي إلى إضعاف إيران وتعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة. أما بخصوص الطريق إلى تحقيق ذلك، فكان مشروطاً بنجاح الجيش الإسرائيلي في توجيه ضربة قاسية إلى حزب الله، وصولاً إلى نشر قوات دولية، أو ربما الناتو، على الحدود السورية اللبنانية، لمنع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية وتطويرها. بعبارة أخرى، كانت الخطة الأميركية تقوم على أن الحرب الإسرائيلية هي الأداة لتنفيذ القرار 1559 في لبنان، كما أشار إلى ذلك بالحرف في نص مقالته. لكن الأهداف السياسية للحرب لم تتحقق، والسبب أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق النتائج العسكرية التي كانت مأمولة منه، وصولاً إلى الإقرار بأن الأجواء التي تشكلت ودفعت الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى القبول بوقف النار في حينه، كما قال أبرامز، إنه «كلما طالت الحرب وكلما نجح حزب الله في الوقوف أمام الهجمات الإسرائيلية، تعاظمت شعبيته وأسطورته».

في ما يأتي، أبرز ما جاء في مقالة أبرامز، كما وردت على موقع المعهد الإسرائيلي:

.. لم تشكّك الإدارة الأميركية في البداية، بقرار (رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود) أولمرت، بالمبادرة إلى شنّ حرب (على حزب الله). وكما هي الحال مع أغلب الدول الأوروبية ودول عربية، افترضنا (في الإدارة الأميركية) أن الجيش الإسرائيلي سيوجه ضربة سريعة وقاسية إلى حزب الله، وهو ما كان سيشكل مزايا عدة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ضرب حزب الله، كان من شأنه إضعافه في الساحة الداخلية اللبنانية وتعزيز حكومة (رئيس الحكومة اللبنانية السابق) فؤاد السنيورة، المدعومة من الولايات المتحدة. وكان المفترض بالحرب الإسرائيلية على حزب الله، أن تضعف التأثير الإيراني وتعزز قوة إسرائيل ومكانتها إقليمياً…

كان موقف الولايات المتحدة شبه متطابق مع الموقف الإسرائيلي المعلن من الحرب، وتحديداً ما يتعلق بعدم العودة إلى «الوضع القائم» في لبنان الذي تشكل بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من هذا البلد (عام 2000). وتبين أن دولاً عربية كانت تنتظر هزيمة واضحة وحاسمة لحزب الله، فدبلوماسيون عرب، وبأعداد كثيرة، أيدوا الجيش الإسرائيلي في محادثات مغلقة.

عارضت الإدارة الأميركية وقفاً لإطلاق النار، لأنها أرادت ضربة (قاصمة) لحزب الله عبر الجيش الإسرائيلي. وأي وقف سريع لإطلاق النار، كان يعني تعذر التوصل إلى تغيير فعلي في الوضع. وهو ما دفع وزيرة الخارجية (الأميركية، كوندوليزا) رايس في 19 تموز 2006، إلى الرفض العلني لدعوة وقف إطلاق النار. وفي مؤتمر وزراء الخارجية، في 26 تموز في العاصمة الإيطالية روما، جددت موقفها أمام «خطاب الدموع» للسنيورة. وهي كانت، قبل المؤتمر، قد أعربت لوزير الخارجية الإيطالي، ماسيمو ديليما، عن أنها ستقطع الطريق على أي بيان يدعو إلى وقف إطلاق النار.

الخطة التي عملت الولايات المتحدة عليها، هي الدفع قدماً بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن وتجريد حزب الله من سلاحه، وخصوصاً في جنوب لبنان. كان الاعتقاد السائد لدى الولايات المتحدة، أن وجوداً دولياً قوياً، بل ووجوداً مباشراً لحلف شماليّ الأطلسي، أو قوة حرس حدود بمشاركة دول أجنبية، تنتشر على الحدود السورية اللبنانية، من شأنها أن تمنع تهريب السلاح السوري والإيراني إلى حزب الله، وهو ما اعتقدت (الولايات المتحدة) أنه الحل الأمثل.

إلا أن الواقع الجديد بدأ يتضح بعد مرور أسبوعين على بدء الحرب، وعجز الجيش الإسرائيلي عن إلحاق الهزيمة بحزب الله، بخلاف ما توقع الجميع… المداولات التي فعّلها الأميركيون بما خص قوة دولية تحل مكان اليونيفيل، لم تتقدم إلى الأمام. وألمانيا، التي تتميز بالقدرة العملياتية على إقامة قوة شرطية حدودية، إذ لديها كل ما هو مطلوب لتحقق ذلك من خلال إمكانات التدريب والقوة البشرية والمال، رفضت بقوة القيام بهذا الدور.

إلا أن المعضلة الرئيسية التي حالت دون تحقيق الأهداف الأميركية، ومن بينها تحقيق وجود دولي موسع، هو رفض السنيورة ذلك، لأنه كان خائفاً من حزب الله، وهو لم يدرك أن قوة كهذه كانت ستساعده في الحفاظ على سلطته في مواجهة حزب الله.

لغاية الأسبوع الثالث من الحرب، الحل الذي حاولت الولايات المتحدة دفعه قدماً أخذ بالتلاشي عندما تبين أنه لن يكون هناك نصرٌ إسرائيلي واضح، وأنه لم يوجَد حلفاء يساعدون في إيجاد تسوية تكون أفضل من العودة إلى الوضع القائم، كذلك فإن السنيورة، لأسباب خاصة به (الخشية من حزب الله) تصرف بنحو يوحي بأنه يعمل على حماية حزب الله.

جرى البحث في نشر

قوات من «الناتو» على الحدود اللبنانية ــ السورية لمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله

أحد أسباب فشل المخططات الأميركية للحرب، هو ما اعتبرته رايس فشلاً للسياسة الإسرائيلية وفقدان الثقة بأولمرت… عندما كنا نلتقي به، اعتاد القول: «أنا بحاجة لعشرة أيام أخرى»، من أجل إلحاق ضربة حقيقية بحزب الله. لكن في اللقاء الذي يلي، أي بعدها بخمسة أيام، يعود ليكرر نفس الجملة: «أنا بحاجة لعشرة أيامٍ أخرى». ومن ناحية عملية، لم يبرز أي دليل، حتى دليل واحد، على أنه بالفعل قادر على توجيه ضربة قاسية ومهمة إلى حزب الله، حتى لو مُنح مزيداً من الوقت. هذه المسألة، تحديداً، هي النقطة الحاسمة التي قوضت منطق استمرار القتال.

كان لدى رايس مشكلة إضافية (إلى جانب الحرب وكيفية الاستفادة منها). فالولايات المتحدة تبنت ثورة الأرز عام 2005، وتبنت فؤاد السنيورة وحكومته. هي الحكومة التي قادها «تيار المستقبل» وتلقت مساعدات من واشنطن. خشيت رايس من أن تؤدي الحرب (بعد فقدان الأمل بهزيمة حزب الله)، إلى سقوط حكومة السنيورة، وهذا القلق هو الذي دفعها إلى قبول موقفه بشأن مزارع شبعا.

عندما طالب السنيورة بالمزارع، ردت رايس ابتداءً، بأنه مطلب سخيف، خاصة أن الأمم المتحدة أقرت بأن إسرائيل انسحبت عام 2000 من الأراضي اللبنانية. لكن تعنت السنيورة، وربما لأنه كان من المريح له كسب ساعاتٍ متواصلة من المداولات حول مزارع شبعا، أكثر من بحث الحرب، دفع رايس بعد أسبوعين على بدء هذه الحرب لتعلم أولمرت ووزيرة خارجيته (تسيبي) ليفني، بأن أي قرار عن الأمم المتحدة حول إنهاء المواجهة، سيتضمن الإشارة الإلزامية إلى مزارع شبعا. وهو الموقف الذي رفضاه، وعن حق.

في الأسبوع الثالث للحرب، بدأنا ندرك أن مقولة «أن الوضع لن يعود إلى ما كان عليه»، هي مقولة لن تتحقق. النتيجة التي كانت متوقعة في حينه، أنه لا قوة دولية كبيرة وقوية تنتشر في لبنان، إذ لا «متطوعين» لذلك. كما أن إسرائيل، إن كانت على الأرجح قد ألحقت ضرراً بحزب الله، لكن لم يكن هذا الضرر قاتلاً للحزب من ناحية عسكرية وسياسية. وعملياً، كلما طالت الحرب ونجح حزب الله في الوقوف أمام الهجمات الإسرائيلية، تعاظمت شعبيته وأسطورته. وضمن هذا الوضع، بلورت رايس أفكاراً تتعلق بوقف إطلاق النار، بدت أنها تلبي الأهداف الأميركية والإسرائيلية، وقائمة على المبادئ الموجودة في القرار 1559، وهي تنص على السيادة اللبنانية الوطنية وتجريد الميليشيات من سلاحها ونشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان. هذه المبادئ كانت ستحظى بتوافق شامل، حتى وإن اعتقد كثيرون أنها مجرد إعلان لا أكثر.

في نهاية تموز، جالت رايس على أولمرت والسنيورة ونيويورك، للدفع قدماً بالإنجاز أمام مجلس الأمن، حيث من المتوقع أن يتبنى قراراً بهذا الشأن ويدفع باتجاه إنهاء القتال. حادثة قانا، في حينه، ليل 29 ــ 30 تموز، أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين، والتقارير التي كانت ترد من إسرائيل كان مضمونها يتغير كل ساعة تقريباً، الأمر الذي عمّق عدم ثقة رايس بأولمرت والجيش الإسرائيلي.

الحادثة (مجزرة قانا) جاءت في توقيت حساس، هو توجه رايس إلى بيروت للحصول على الموافقة على المبادئ التي قبل بها أولمرت، ومن ثم العودة إلى مجلس الأمن لإنهاء الحرب. بالنسبة إلى إدارة بوش، التي تمرغت في مستنقع الحرب الفاشلة في العراق وعانت من نسب شعبية منخفضة، إنجاز كهذا كان من المفترض أن يكون ذا تأثيرٍ كبير.

في موازاة ذلك، أعلم السنيورة رايس، أنها لن تستطيع المجيء إلى بيروت، وخرج بخطاب أطلق فيه على القادة الإسرائيليين تسمية «مجرمي حرب». فريق رايس عاد من إسرائيل بعد لقاء صعب مع أولمرت. بالنسبة إلى رايس، كان الهدف واضحاً: يجب أن تتوقف الحرب سريعاً. لكن هذا الهدف لم يكن واضحاً لأولمرت الذي طالب أيضاً بعشرة أيام إضافية. هذه المرة ردت رايس بأن الأمر غير ممكن، لأن الولايات المتحدة ستتوجه إلى مجلس الأمن في خلال يومين أو ثلاثة. لكن في نهاية المطاف حصل أولمرت على الأيام العشرة، فقرار مجلس الأمن صدر في 13 آب.

إسرائيل لم تهزم حزب الله

في الرابع من آب، قدمت الولايات المتحدة وفرنسا مشروع قرار مشترك ومعقول إلى مجلس الأمن، لكنه كان منحازاً إلى إسرائيل أكثر مما كان بإلإمكان إمراره. في 8 آب، جرى إمرار مسودة قرار بضغط من الجامعة العربية وقطر، وانكفأت فرنسا في أعقابه.

صيغة القرار 1701، كما صدر في 11 آب، ضمن بنود ايجابية: سيطرة حكومة وجيش لبنان على الأراضي اللبنانية؛ تجريد الميليشيات من سلاحها؛ منع تزويد السلاح لكل الجهات باستثناء الجيش اللبناني؛ تشكيل قوة يونيفيل أقوى مما كانت عليه. إلا أن هذا القرار لم ينفذ بالكامل، فحزب الله تعاظم عسكرياً وتزود بأسلحة أكثر مما كان عليه، والحكومة اللبنانية بقيت والجيش اللبناني أضعف من أن يسيطر فعلياً على جنوب لبنان. كذلك فإن قوات اليونيفيل التي تعاظمت عدداً بقيت غير قادرة على ــ بل وأيضاً غير مستعدة لـ ــ تحدي حزب الله والتضييق عليه.

ما الذي أدى إلى أن لا يتحقق أكثر مما تحقق؟ الواقع أن إسرائيل لم يكن بإمكانها أن تحقق في الأمم المتحدة ما عجزت عن تحقيقه في القتال الميداني، والولايات المتحدة (تبعاً لذلك) لم يكن بإمكانها أن تحقق لها ذلك. إسرائيل لم تهزم حزب الله، وفشلت في تحقيق أهدافها العسكرية، الأمر الذي لم يسمح لها بتحقيق أهدافها، في الميدان السياسي.