يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنه يعمل على إعادة بناء الدولة حجراً حجراً. وهذا التصميم على مواجهة الدولة المفككة سيكون مدار ترحيب أطراف واعتراض آخرين ولامبالاة ثالثين.
والواقع أنّ الدولة بحاجة الى إعادة بناء. وإذا أخذنا في الاعتبار تاريخ لبنان الحديث، منذ الاستقلال حتى اليوم، لتبيّـن لنا أنّ مرحلة سقوط الدولة لم تكن في الحرب، التي استمرت خمس عشرة سنة، بل بعد انتهائها… والدولة التي كانت واحدة موحّدة تحوّلت الى فيدراليات حقيقية على بعضها رئيس، وعلى بعضها الآخر رئيسان، متعايشان في ثنائية وعلى البعض الثالث رئيس ينافسه آخر، وعلى غيرها رئيس لا يقبل أن ينافسه أحد الخ…
أليس هذه حال الزعامات المتحكّمة بالقرارات؟ فحتى إشعار آخر تبقى هذه الزعامات (الواصل منها بالوراثة أو من انتزع الزعامة من الورثة) هم الذين يستأثرون بالقرار وبــِ … المغانم!
وعبثاً يسعى أي بَـنّـاء الى إعادة البناء ما لم يتغيّر هذا الواقع الذي يحول دون تغييره تنامي حدّة التأزم الناجم عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية.
وليس صحيحاً ما يقوله بعضهم من أنّ هذا المشهد ليس جديداً، بدليل أنه كان قائماً وعلى نطاق واسع قبل الحرب! يومها كانت الطوائف موجودة بالطبع، وكانت قد أفرزت زعامات بعضها كبير الحجم وبعضها متوسّطُه وبعضها الثالث وهو صاحب حجم أصغر. إلاّ أن الجميع كان مشاركاً في الأدوار بشكلٍ أو بآخر: فلم يكن الرئيس كامل الأسعد مستأثراً بالقرار الشيعي، بل كان الى جانبه الرئيس صبري حمادة والرئيس عادل عسيران وكاظم الخليل وآل الزين (…) وهؤلاء، لم يكونوا أتباعاً ولا كانوا مبعدين، بل كان لكل منهم حضور ودور وفاعلية.
والسنية كان النفوذ فيها مشتركاً بين سلام وكرامي والصلح واليافي والعلي…
والمارونية (والمسيحية عموماً) كانت تحتضن كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده وسليمان فرنجية ورينيه معوّض والأب سمعان الدويهي، وحبيب كيروز وقبلان عيسى الخوري وطوق والخازن وفرعون وسكاف وبطرس…
والدرزية كان فيها كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان وآل حماده وآل الاعور وآل تلحوق الخ…
والزعامات الكبرى في كل من تلك المذاهب والطوائف كانت تستقطب قيادات وشخصيات بارزة من طوائف أخرى، كما الحال مع الرئيس كميل شمعون الذي كتلته النيابية تضم أو تتحالف مع زعامات لها وزنها أمثال سليمان العلي وكاظم الخليل وفضل الله تلحوق الى تحالفه الانتخابي المزمن مع أرسلان (…)
وقبلاً كان مسيحيان (بشارة الخوري وإميل اده) يترأسان كتلتين كبريين (الدستورية والوطنية) تضم كل منهما القيادات الوطنية من مختلف الطوائف، وذلك كان نموذجاً سابقاً عصره لمبدأ الموالاة والمعارضة.
وحتى زمن القطيعة، في الحرب. كانت «المراسيم الجوالة» تشكل ظاهرة وحدوية.
… الى إقرار اتفاق الطائف الذي يجمع كثيرون على أن التعديلات الدستورية التي نجمت عنه حملت بذور فيدرالية مقنّعة: فرئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولا يقودها، وهو رئيس مجلس الوزراء ولا يدعو إليه كما لا يصوت فيه (…)
والمسألة تحتاج الى المزيد.