Site icon IMLebanon

إجراءات الحظر والعقوبات: أين تصيب وأين تخيب؟

اذا كانت العقوبات حلًا وسطًا في السياسة الدولية ولها تأثيرها على الأفراد كما المؤسسات الدولية يبقى القول ان هذه العقوبات، وباعتراف الامين العام للأمم المتحدة، مشكوك بفعاليتها وان ثبت أن أنجعها «العقوبات الذكية» كونها اصبحت في يومنا هذا افضل الحلول عند تواجد «قلق دولي» حقيقي.

تعتبر العقوبات، تطورا جديداً بالنسبة الى الاتحاد الاوروبي. وهناك امثلة محددة عن تنفيذ هذه العقوبات والاجراءات المتخذة ضد الذين ينتهكونها سواء عن عمد او غير عمد.

وعلى العكس فإن الولايات المتحدة الاميركية استخدمت هذا الاسلوب منذ زمن طويل وفرضت غرامات على المخالفين وشملت هذه الغرامات مجموعة مصرفية اوروبية بدأت في العام ٢٠٠٤ مع مصرف USB الذي غرم ١٠٠ مليون دولار.

وتجدّدت في السنين التالية لتبلغ اوجها مع بنك BNP Paribas والذي غرّم بمبلغ ضخم وصل الى ٨،٩ مليار دولار ويعتبر هذا الاجراء الاقوى في تاريخ المصارف حول العالم.

وتتراوح العقوبات بشكل عام بين اصدار «تحذير» الى غرامات وعقوبات مدنية تصل الى الاحالة الى وزارة العدل الاميركية لملاحقة المجرمين مع توقع غرامة قيمتها مليون دولار وتصل العقوبات احيانًا الى سجن مدته ٢٠ سنة. وفي المطلق، فان شدة العقوبة تتوقف على نوع الجريمة واذا ما كانت مقصودة او غير مقصودة.

وقد فرض الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة عقوبات ضد بلدان عدة وضد بعض الافراد والكيانات في هذه البلدان ونشروا قائمة تتضمّن جميع الافراد والكيانات والشركات، وحاليا تشكل هذه القائمة اكثر من ٢٧٠٠ شخص ومؤسسة وتشمل الحظر التجاري واصدار التراخيص وجزاءات مالية وغيرها بينما العقوبات الاميركية تديرها وكالتان: مكتب مراقبة الأصول الاجنبية التابع لوزارة الخزانة والذي يتعامل مع الترخيص والاشراف على العقوبات الاقتصادية (OFAC) ومكتب الصناعة والامان (BIS) والذي يتولى اصدار تراخيص لبعض الصادرات والسلع المصنّعة باستخدام التكنولوجيا الاميركية. ومن المقلق في الواقع فهم مدى فعالية هذه العقوبات سيما وان النقاش حولها ما زال قائما وتدور حول مدى فعاليتها.

وقد تكون افضل الدراسات حول هذا السؤال: «Economic sanctions reconsidered» التي تحاول الوصول الى بيانات تثبت نجاح تلك العقوبات وتحقيقها الهدف المرجو. وقد تكون الامثلة كثيرة ابتداء من العام ١٩٢١ عندما هدّدت عصبة الامم بفرض جزاءات اقتصادية على يوغوسلافيا وانتهت بفرض عقوبات على ايران لاستخدامها النووي، وقد يكون اكثرها نجاحا عندما فرضت العقوبات على روسيا.

واعلنت الولايات المتحدة عقوبات على اشخاص مقربين من الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين في اطار حملة اوسع نطاقا تستهدف حظر التأشيرات وتجميد اصول النخبة الروسية وتعتبر هذه العقوبات جديدة نسبيا، والتقديرات الاولية لهذا النوع من العقوبات المستهدفة تشير الى انها مفيدة جدا في اظهار الاستياء وفائدتها تكمن في تغيير سلوك هؤلاء الاشخاص.

وما هو ظاهر للعيان حاليا هو تخوف المصارف الاوروبية من اجراءات التجارة الجديدة مع ايران حتى بعد رفع الحظر الدولي سيما وان الغرامات الني دفعتها هذه المصارف ولفترات طويلة امتدت ما بين ٢٠٠٤-٢٠١٥ كانت قاسية لخرقها نظام العقوبات، وهم قلقون أيضا من مخالفة القوانين الاميركية المتعلقة بهذه الوضعية بانتظار الوضوح الكامل لعملية رفع العقوبات هذه.

لذلك نرى الشركات والمصارف الدولية تتطلع الى معرفة نوع الخطوات التي سوف تتخذها الحكومة الاميركية ووزارة الخزنة الاميركية وضمان عدم ارتكابهم الاخطاء نفسها التي وضعتهم في موضع حرج وكلفتهم كثيرا. هكذا نرى أن المصارف العالمية لا تزال متردّدة بعض الشيء ريثما تحصل الانتخابات الرئاسية الاميركية. وسوف تسير هذه المصارف بخطى بطيئة ريثما تتضح الصورة وتنجلي الامور.

وقد تكون الـ (HIFPA) وهو Hezbollah International financing prevention act والذي وضع في كانون الاول الماضي ويهدد بعقوبات ضد الذين يمولون حزب الله بشكل ملحوظ يدخل ضمن ما نسميه «العقوبات الذكية». وهي تهدّد القطاع المصرفي، بشكل عام واقل ما تتطلبه هو تفسير فعلي لهذا القانون الذي ولغايته ليس بواضح للعديد من المصارف وللعامة بشكل خاص والذي اعتبر فاعلًا ابتداءً من ١٥ نيسان ٢٠١٦.

يشمل هذا القانون مجموعة بنود وضعتها وزارة الخزانة الاميركية وبدأ تنفيذها من حينه ما يضع المصارف اللبنانية والقطاع المصرفي بشكل عام امام معضلة سيما وان القطاع المصرفي يمثل حوالي ٦ في المائة من الناتج المحلي الاجمالي ومن الضروري ان يبقى لبنان جزءا من النظام المصرفي العالمي.

يشمل هذا القانون امورا عدة سيما تيسير المعاملات او الصفقات الكبيرة لحزب الله بما في ذلك قيود تتعلّق بتوفير التحويل التجاري والتحويلات المالية الشخصية او معاملات الصرف الاجنبي، كذلك يطلب من البنوك الاميركية رصد التطورات المتعلقة بالـ HSFR (Hizbollah Financial Regulations List) عن كثب، وضمان الامتثال للسياسات والاجراءات المناسبة لتجنّب التعرّض للعقوبات الثانوية المتعلقة بالحزب.

يبقى ان هذه العقوبات يشرف على تنفيذها اشخاص ومستشارون ممن لهم خبرة واسعة في قضية العقوبات، وهم يقدمون النصح للعملاء في ما يخصّ قوانين العقوبات والجزاءات في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وغيرها من الانظمة التي تتبع هذا العمل بغية تحقيق، وحسب قولهم، «الاستقرار الدولي».