ليس من باب المصادفة أنه في وقتٍ واحد وتوقيت واحد يُعلِن كلٌّ من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط تأييدهما ووقوفهما مع الرئيس سعد الحريري، هذا الإلتزام ليس لشخصه فحسب بل لِما يُمثِّله من قيمة اعتدال، تماماً كما بري وجنبلاط.
يُدرِك الرئيس بري والنائب جنبلاط أنَّ الذهاب إلى الحرب والناس راجعة محفوفٌ بالمخاطر، وأنَّ الإعتدال هو الوجهة الإلزامية لإنقاذ البلد، لذا فإنهما اتخذا القرار بأن يكونا إلى جانب الرئيس سعد الحريري في ظل جوٍّ كارثي يحيط بلبنان والمنطقة.
تأييد رئيس مجلس النواب نبيه برّي للرئيس الحريري جاء من خلال اتصال هاتفي أجراه به، وتضمَّن الإتصال تعاطفاً معه وتعبيراً عن التأييد لمواقفه.
أما النائب وليد جنبلاط فقد أسهب أكثر في تفصيل تأييده للرئيس الحريري، من خلال الكلام المفصَّل الذي أدلى به للأستاذ مرسال غانم، في حلقته الإستثنائية المشوِّقة من كلام الناس.
جنبلاط الذي قرأ أنَّ ظروف التسوية لم تنضج بعد، ولنهتم بالملفات التي يمكن أن نعالجها، قدَّم مرافعةً دفاعية عن الرئيس الحريري، مَزَج فيها الدفاع بالنُصح، فتوجَّه إليه قائلاً:
يجب أن يستمر على خطّه، واليوم هناك من يريد تطويقه، وأنصحه بأن يبقى معتدلاً حتى لو بقي وحيداً، فهو كان صوت الإعتدال في طرابلس.
حين يقول النائب جنبلاط هذا الكلام فهو يعرف أنَّ منسوب الإعتدال في البلد قد انخفض، وأنَّ منسوب التطرف قد ارتفع، وللعودة بالوضع إلى التوازن فإنه لا بد من تشكيل جبهة المعتدلين، ومَن أبرز من الرئيس سعد الحريري أن يكون على رأس قائمة المعتدلين؟
يُقال هذا الكلام في وقتٍ تستمرُّ الحرائق في المنطقة وعلى الحدود مع لبنان، وتستمر معها الحروب.
يُقال هذا الكلام في وقت تتقدَّم أخبار داعش والنصرة على ما عداها من كلامٍ للمعتدلين.
يُقال هذا الكلام في وقتٍ يُفتَرض باللبنانيين أن يختاروا بين التطرف والتزمت وبين الإعتدال… قد تكون مسايرة التطرف والتزمت مُربحة ظرفياً وآنياً، ولكن ماذا عن المستقبل، هؤلاء ماذا يريدون أن يورثوا لأبنائهم؟
هل يورثونهم التطرف والتزمت؟
إنَّ كل هذه الهواجس يُدركها الرئيس سعد الحريري، ولهذا السبب فقد تابع باهتمام ما كان يُدلي به النائب وليد جنبلاط لكلام الناس، وعلَّق عليه بتغريدة كتب فيها:
يا صديقي وليد بيك خط الإعتدال ليس موقفاً اتخذناه، هو فعل قمنا به.
من خلال كل ما تقدَّم، يبدو أنَّ الرئيس سعد الحريري قد اختار الخيار الأصعب، فليس أسهل عليه من أن يزايد على الجميع في التطرف والتزمت، فيتقدَّم من دون منازع، لكن المرحلة الحقيقية أن يبقى متقدّماً وهو معتدل وليس أي شيء آخر.