بارود: نحن في حالة طوارئ أعلن عنها أم لم يعلن
مدفوعون بالهلع من تفشي وباء «الكورونا»، يناشد لبنانيون دولتهم إعلان حالة طوارئ صحية، وحظر التجوال للحد من انتشار الفيروس، من دون أن يدري معظم الداعين إلى قمع حركة المقيمين بالقوة، التبعات الفعلية لإعلان حالة الطوارئ ومخاطرها. فيستسهل هؤلاء التسليم بحريتهم وحقوقهم خوفاً من احتمال الإصابة بالفيروس. إذ لا يقتصر إعلان حالة الطوارئ على منع التجول، بل يتعداه إلى تعليق العمل بالقوانين ومنح السلطة صلاحيات استثنائية، وهي التي اعتادت على سوء استخدام الصلاحيات المقيدة. وفيما يحتدم النقاش حول مسألة إعلان الطوارئ، يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ»نداء الوطن»: «إننا في حالة طوارئ أعلن عنها أم لم يعلن».
يفضل بارود عدم الخوض دستورياً في مسألة إعلان حالة الطوارئ، «فإعلانها على مستوى الإجراءات الدستورية غير مهم، الأهم إعطاء الناس الانطباع بأنه اتخذت إجراءات تلبي مطالبهم. والمطلوب إجراءات قاسية كالتي يوصي بها الخبراء الصحيون، الذين يقولون بأنّ حصر الوباء يتطلب إجراءات تؤدي الى شل الحركة الطبيعية». ويشدد بارود في حديثه على الإجراءات الطبية لا الدستورية. فهو متفهم لخوف الناس ومطالبتهم بإعلان حالة طوارئ لكنه يعتبر «منع التجول أمر صعب، خصوصاً وأن هناك أطباء وعاملين في المستشفيات يذهبون إلى عملهم، وقد يكون مطلب مبالغ به». في المقابل يدعو إلى حصر التجوّل بما هو ضروري وملح، ويلفت إلى أن دعوة الناس للبقاء في منازلهم بحاجة إلى تدابير حكومية وقانونية تحمي المستخدمين من إجراءات أصحاب العمل.
ويظهر ميل وزير الداخلية السابق لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الوباء بالتعاون مع المواطنين لا بفرض سلطة عليهم. إذ يدعو لإشراكهم في المسؤولية الوطنية، «فلا يمكن للأجهزة الحكومية أن تقوم بكل شيء، كل مواطن ملزم بالمساهمة وطنياً والبقاء في منزله. فرغم تراجع حركة الطرقات غير أنها لا تزال ناشطة، وهناك أشخاص يخاطرون، وكل شخص ممكن أن يتحول إلى جزء من المشكلة».
ويشدّد بارود على «المطالبة بإجراءات وتدابير تحدّ من أثر الوباء، إذ إن المطلوب ليس معالجة الوباء داخل المستشفيات فحسب بل وفي أي مكان فيه تجمع، فنحن لا نملك إمكانات معالجة كدول أخرى والبنى التحتية الصحية في لبنان لا تتناسب وحجم وباء». ويبدو بارود في تكراره لكلمة وباء خائف من تفشيه بسرعة. لكن «وباء» كلمة لا ترتبط بمدى خطورة المرض على صحة المصاب به، بل تستخدم للدلالة على قدرته على الانتشار وإصابة أعداد كبيرة من الناس. وصنّفت منظمة الصحة العالمية فيروس الكورونا بالوباء العالمي بعد أن أثبت سرعته في الانتشار في مختلف أنحاء بلدان العالم.
أما من الناحية الدستورية فإن الحكومة هي الجهة التي تملك صلاحية إعلان حالة الطوارئ، بعد التصويت على القرار بأكثرية الثلثين، وفق بارود. «ويعني إعلان الطوارئ اتخاذ تدابير خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي. وقد يتضمن منع التجول كإجراء، فإعلان الطوارئ لا يعني بالضرورة منع التجول. وقد ينطلي القرار على تعليق العمل ببعض الأحكام الاعتيادية».
من الناحية الحقوقية، يشير رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر لـ»نداء الوطن» إلى أن «إعلان حال الطوارئ محدد جداً في القانون الدولي، ويعلن في منطقة محددة ولفترة محددة ويترتب عليها تعليق بعض الحريات». ويرى الأسمر أن «الناس لا تقصد حالة الطوارئ بمعناها الأمني والسياسي، بل بأن تسخّر الدولة كل قدراتها للحماية من الـكورونا». ويوافق الأسمر على أن إعلان حالة الطوارئ يطرح إشكالية المس بالحريات. «فالسلطة عندما تمنح سلطات أكبر دائماً ما تسيء استخدامها. وفي حالة الطوارئ تمنع التجمعات، وتمنح الأجهزة الأمنية سلطات أقوى تتخطى القضاء». ومن هذا المنطلق لا يرى المركز اللبناني لحقوق الإنسان بأن إعلان حالة الطوارئ مسألة جيدة. ولا يخفي رئيسه خوفه من أن تستخدم الصلاحيات الاستثنائية لتوقيف من شارك في التظاهرات، من دون السماح لهم بالتواصل مع محام أو لقاء أحد بحجة أن حالة الطوارئ قد لا تسمح بذلك.