حتى يوم أمس، كانت الضغوط تتوالى على الحكومة لإعلان حال الطوارئ لعزل البلاد بشكل كامل وإقفال المعابر الجوية والبرية والبحرية لوقف “تسلل” فيروس “الكورونا” والحؤول دون اقتناصه المزيد من الضحايا بعد تجاوز عددهم عتبة المئة.
لكن الحكومة فضلت اعتماد حال التعبئة العامة التي تولي الجيش صلاحيات موسّعة لتطبيق الخطة التي تبناها مجلس الوزراء، خصوصاً وأنّ معظم أعضاء “لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية لفيروس كورونا” مقتنع بأن الاجراءات المتدرّجة التي توصي بها، في محلها، لجهة مسارها التصاعدي المواكب لحركة الاصابات التصاعدي. ولهذا لم توص اللجنة بفرض حال الطوارئ نظراً لتداعياتها القانونية والحقوقية والاقتصادية.
وهي رفضت الانصياع لقاعدة “الهلع” في عملها، لكي لا تتسرّع في فرض اجراءات قاسية تضع اللبنانيين في سجن كبير من شأنه شلّ حركة البلاد الغارقة أصلاً في قعرها المالي والاقتصادي.
ولكن حتى الآن، كل الاجراءات المتخذة منذ وصول أول حالة إصابة إلى لبنان، على متن الطائرة القادمة من إيران، والتي أوصت بها “لجنة متابعة” وتبنتها الحكومة بمختلف اداراتها المعنية، لم تنجح في احتواء تفشي الفيروس الذي يواصل تمدده الأفقي في أجساد اللبنانيين، ورئاتهم على نحو خاص، أسوة بكل سكان الكرة الأرضية. فوقع خيار المجلس الأعلى للدفاع على حال التعبئة العامة.
في التفصيل يتبين، أن المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر في 5 آب 1967 حدد حال الطوارئ بـ”عند تعرض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب خارجية او ثورة مسلحة أو أعمال أو اضطرابات تهدّد النظام العام والأمن أو عند وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة”.
وهنا يشير المحامي عيسى النحّاس إلى أن “حال الطوارئ خطرة جداً كونها تقيّد القانون والحريات الخاصة والعامة والضمانات القضائية من نواحٍ متعددة مثل:
– تجاوز حدود الصلاحية من خلال اتخاذ اجراءات هي ليست من صلاحية الادارة في الظروف العادية.
– تجاوز قواعد الشكل كعدم احترام حق الدفاع بالقدر الذي يبرره الظرف الاستثنائي.
– تجاوز قواعد قانونية اساسية (التوسع في المصادرات، تقييد الحريات)”.
ويضيف: “لذلك نصّ الدستور اللبناني بعد تعديله في اتفاقية الطائف في المادة 65 منه، على أنه لا يجوز إعلان حال الطوارئ إلا بقرار يتخذ في مجلس الوزراء بغالبية ثلثي أعضائه”.
أما حال التعبئة العامة فيشير إلى أنّها “تقع ضمن حالات متعددة أقل درجة من حال الطوارئ نص عليها قانون الدفاع الوطني في المادة الثانية منه. وهي تفترض وضع خطة محددة من جانب مجلس الوزراء على أن يكلف الجيش تنفيذها”. ويؤكد أنه “لا تأثير لاعلان حال التعبئة على القوانين والأنظمة التي تبقى سارية المفعول، وهي تطال آلية تنفيذ القرارات حيث يقوم الجيش والقوى الأمنية الأخرى بتنفيذ الخطة الموضوعة مستعيناً بجميع العناصر، حتى أنّه بامكانه استدعاء الاحتياط إذا لزم الأمر”.
وقد نصت المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983، قانون الدفاع الوطني، على أن حال التعبئة العامة تتخذ بقرار من مجلس الوزراء بناء على إنهاء المجلس الأعلى للدفاع. والمرسوم الصادر بإعلان حالة التأهب يمكن ان يتضمن ما يلي:
– فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها.
– فرض الرقابة على المواد الاولية والانتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها.
– تنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات.
– مصادرة الاشخاص والاموال وفرض الخدمات على الاشخاص المعنويين والحقيقيين وفي هذه الحالة تراعى الاحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حال الطوارئ.
اذاً، الفارق الجوهري بين الحالتين، وفق المحامي نحاس، هو أنّه خلال حال الطوارئ تعلّق بعض القوانين وتوضع تدابير استثنائية، ولكن في حال التعبئة تكون مهمة الجيش محصورة بتنفيذ الخطة التي تضعها السلطة التنفيذية، ولو أنّه خلال الحالة الأخيرة، للجيش صلاحيات اضافية نصّ عليها قانون الدفاع.
في المقابل، يحتاج إعلان حال الطوارئ إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وفق البند 5 من المادة. ويكون النصاب القانوني في المجلس أكثرية ثلثي أعضائه، ويتّخذ قراراته توافقياً، وإذا تعذّر ذلك فبالتصويت ويتّخذ قراراته بأكثرية الحضور.
ومن بين ما يعنيه، تتولى السلطة العسكرية العليا (التي تندرج تحتها كل القوى المسلحة) صلاحية المحافظة على الأمن. يصبح للسلطة العسكرية الحق في جملة من الأمور، منها فرض التكاليف العسكرية عن طريق المصادرة التي تشمل الأشخاص والحيوانات والأشياء والممتلكات، تحري المنازل في الليل والنهار، فرض الغرامات الإجمالية والجماعية، إبعاد المشبوهين، فرض الإقامة الجبرية، منع الاجتماعات المخلة بالأمن، منع تجول الأشخاص والسيارات في الأماكن وفي الأوقات التي تحدد بموجب قرار، منع النشرات المخلة بالأمن واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات والنشرات المختلفة والإذاعات والتلفزيون والأفلام السينمائية والمسرحيات، وغيرها من المواد المتعلّقة بالأعمال الحربية والمناطق العسكرية وتسيير الجنود.