Site icon IMLebanon

حكومة طوارئ انقاذية وإجراءات جراحية عاجلة لمنع الإنهيار

 

هناك أزمة حقيقية سببها سرطان الفساد والهدر غير المسبوق، لكنّ السياسيين لا يتصرفون على أننا في أزمة، بل على أننا نُواجه وضعاً صعباً يتطلب إصلاحات – وأساساً تغافلت الطبقة الحاكمة من سياسيين وأصحاب مصالح عشرين عاماً، بينما الحقيقة في مكانٍ آخر، واعتادت أن تغرف وتتكل، على أن هناك من «يدبّر» الوضع ويخرج الأرانب من القبعة.

 

حان الوقت لمصارحة اللبنانيين بحقيقة الأزمة. فلبنان عاش ضمن نظام قام على كذبة كبيرة مفادها تحقيق نمو سريع بالإستدانة، ليلتحق بدبي، على اعتبار أنّ السلام آتٍ لا محالة. هذا المفهوم ولّد منظومة ريعية قائمة على التلاعب بفارق الليرة والدولار والفوائد، فملأت جيوبه اركانها (٤٥ مليار دولار) وضربت الإقتصاد الإنتاجي لتنتج رساميل وأرباحاً ورقية وهمية بمفهوم «تلبيس الطرابيش»، بمعنى «أمنحك فوائد من مالِك ومن مال غيرك، وأمنَحْ فوائد لغيرك من مالك ومال غيره».

 

فباتت اللعبة كالآتي: أرسلوا لنا دولارات فنصرفها كما نشاء ونسجّل لكم ودائع دفترية ونستدينها كدولة لبنانية، وما ينقصنا بالدولار نطبعه بالليرة اللبنانية، ونعطي فوائد على الليرة، كأنَّها عملة مخاطرة. وفي الوقت نفسه نربط سعرها بالدولار كأنها إحدى العملات الرئيسية في العالم.

 

هل تذكرون Ponzi scheme؟ هل تذكرون مادوف الذي خرب بيوت الذين وثقوا به واستثمروا معه، ثم خسروا كل أموالهم؟ هل تعلم الطبقة الحاكمة في لبنان أنها تمارس منذ عشرين عاماً الأسلوب نفسه، ولكن على شعبٍ بكامله؟

 

ان ما تبقى من كتلةٍ نقدية بالدولار، وبصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر في الرقم الصحيح، هو ملك الشعب اللبناني وليس احتياط المصرف المركزي كما يسميه دوماً. هذا الشعب يعتقد أن لديه ما بين 110 – 120 مليار دولار، وما لا تقوله الطبقة الحاكمة إنها صرفت أكثر هذه الأموال. لقد أنفقت ما يقارب 240 مليار دولار موّلتها بجباية 110 مليار دولار تقريباً واستدانة حوالى 130 مليار دولار.

 

هل تعلم هذه الطبقة الحاكمة أم تتجاهل أن على المصرف المركزي ديوناً صافية توازي 33 مليار دولار، ولا يمتلك احتياطاً بقيمة 38 مليار دولار؟

 

إجراءات جذرية سريعة

 

لذلك لا بد من اعتماد إجراءات جذرية سريعة، بما فيها ضبط العمليات المصرفية واعتماد خطة تحافظ على الكتلة النقدية الموجودة، وذلك من خلال:

 

1- وقف تمويل العجز في كل إدارات الدولة التي تتموّل بنظام المحاصصة وعلى رأسها الكهرباء.

 

2- إغلاق الحدود المالية للبنان Control Capital كما حصل في مصر وأخيراً في الأرجنتين وتوجيه ضربة قاضية لنظام الفوائد وإعادة هيكلة الدين بالليرة والدولار (إلاّ ما تملكه الصناديق الإستثمارية الخارجية حتى لا تكون هناك سابقة بالتخلف عن الدفع وتهديد للذهب)، مما يؤدي إلى تخفيض بند خدمة الدين بالموازنة العامة بأكثر من النصف.

 

3- تدمير بنية المحاصصة في كل المحميات التابعة للمرجعيات السُنية والشيعية والمسيحية والدرزية وكل الطوائفية السرطانية المقيتة، من خليوي و”أوجيرو” ومرفأ ومجلس إنماء وإعمار ومجالس اخرى و»الريجي» والضمان والكازينو وكهرباء وهيئات ناظمة ومصالح مشتركة ومزاريب مشاركة القطاع الخاص في مصالح الدولة.

 

4- العودة إلى استيراد المشتقات النفطية مباشرة باتفاقات ثنائية بين لبنان ودول موّردة.

 

5- اتخاذ إجراءات صارمة وبأقصى درجات الإنضباط، واستعمال القوى الأمنية بعد الغاء كل المرافقات الامنية لقضاة ووزراء ونواب ورؤساء احزاب وضباط، حاليين وسابقين، الاّ ضمن الضرورة الواقعية، واستعمال فائض المرافقين من أجل ضبط التهرب والتهريب الجمركي وتزوير فواتير الإستيراد حتى وضع اليد على الجمارك والإستعانة بفريق مستقل عن الدولة لمراقبة وتدقيق كل عمليات جباية أرباح الشركات وضرائب الدخل.

 

6- رفع الرسوم الجمركية إلى أقصى الحدود الممكنة لكل المستوردات التي لا تعتبر حاجات أساسية مثل السيارات والكماليات والدخان والمنتوجات الغذائية غير الأساسية او التي يمكن الحصول عليها في لبنان.

 

7- إلغاء بعض الإتفاقات التجارية الحالية وفرض جمارك على كل ما كان يتمتع بإعفاء جمركي سابقاً، إلى أنْ يعود لبنان بلداً تصديرياً. فقط عندها يحقّ لأيّ طرف خارجي أنْ يفاوض على اتفاقات تبادل تجاري.

 

8- رفع اليد عن القضاء ومنحه صلاحيات واسعة ليعود العدل أساس الملك، وإجبار القضاة تحت طائلة المساءلة على التقيد بفتراتٍ زمنية محددة لإصدار الأحكام حتى لا تدخُل قضايا الناس في مغاور لا تعرِف كيف تخرج منها.

 

9- إصدار قانون فوري يمنع أي سياسي أو رئيس حزب أو شخصية ذات نفوذ من التدخل في أي تعيينات في مفاصل الدولة تحت طائلة المحاكمة بعد إلغاء كل المحاكم الخاصة بمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب. واستطراداً، إلغاء كل الممارسات السابقة بمنع المحاكمة أو المساءلة لموظف من دون إذن وزيره.

إنَّ استعادة الدولة تتطلب ألا يكون أحد مهما علا شأنه فوق القانون أو المساءلة أو المحاكمة.

 

10- رفع الحصانة عن جميع من يتعاطى الشأن العام بما فيها السرية المصرفية، وألا يحق له ممارسة صلاحياته من دون التصريح عن كل أصوله أينما وجدت.

 

يجِب وقف نظام المحاصصة فوراً لخلق صدمة إيجابية من خلال الإجراءات المدرجة أعلاه ومئات الخطوات الإصلاحية التي قد تلحقها بدل الإستمرار في صنع الورق الوهمي حيث يمكن الوصول ليس إلى موازنة متوازنة فقط، بل إلى فائض في الموازنة. فالعجز من دون خدمة الدين إيجابي، ومن لديه خبرة في الهندسات المالية السابقة التي أمنت أرباحاً وهمية للمصارف والمستثمرين يمكنه إجراء هندسة لإعادة هيكلة الدين وانتظام مالية الدولة كي نخرج من هذا النفق المظلم، مما يعيد ثقة اللبناني والاجنبي ويعيد دخول الرساميل الى لبنان بفوائد غير ريعية.

 

لم يعد من مجال إلا اعتماد خطة طوارئ إنقاذية كي نمنع انهيار مجتمع بكامله، لأن من يمنع هكذا كارثة لفترة محددة فقط هو الإعلان عن دعم خارجي بمبلغ محدّد لفترة معينة مما يؤجل الكارثة ويكبِّر حجمها، أو قرار دولي يضع ثروة لبنان تحت الوصاية الدولية كشرطٍ لإنقاذه. ولا يتوهمن احد أن لبنان ليس بلداً مفلساً وأنّ لديه أصولاً بدءاً بالذهب الذي يمكن أي جهة دائنة المطالبة بحجزه في حال التخلف عن السداد، أو ببيع أصول للدولة لأن ما من دولة تستطيع بيع أصولها في زمن تفليسة وانهيار اقتصادي.

 

لن يقبل اللبنانيون أن يكون شريكاً في التفليسة من كان شريك محاصصة في سوء أمانة ودائع الناس والمتقاعدين في الضمان الإجتماعي.

 

نقول لكم وبصوتٍ عالٍ : كفاكم ولن تستطيعوا أن تستمروا في ممارساتكم.

 

ونقول لجميع اليائسين من الشعب اللبناني حول إمكانية التغيير إن التغيير يبدأ باليائس قبل المنتفض. أيها اللبناني لقد كنت مثالاً لشعوب العالم العربي. إعتبِرْ وتمثّل بما يحصل اليوم في تونس والسودان والجزائر ومصر والعراق. بأي لغة نخاطبك؟ وإن غداً لناظره قريب.