IMLebanon

حسابات التقارب الطارئة بين عون وجعجع؟

لا يمكن وصف التقارب الطارئ الذي أوحى به النائب ميشال عون تجاه الدكتور سمير جعجع، سوى نذير خوف من تسوية رئاسية على حسابه. صمَّ عون أذنيه عن صوت جعجع الذي طالما دعاه الى التفاهم على إسم توافقي، وفضّل سلوك طريق آخر، إذ نبَش ماضي الحرب، فوضع نوابه في الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية أسماء شهداء، محمّلاً جعجع المسؤولية، وهي ليست المرة الاولى التي يمارس فيها هذا السلوك.

في العام 1988، «تعالى» عون عن مشاعر الغضب من جعجع التي طالت لسنوات على شكل قطيعة، بسبب اغتيال العميد خليل كنعان، واستقبله في وزارة الدفاع، فيما كان الرئيس أمين الجميّل مجتمعاً بالرئيس السوري حافظ الاسد، وكان اتفاق فيما بعد على رفض مبادرة اللحظة الأخيرة التي سُمِيت مبادرة «مخايل الضاهر أو الفوضى».

سبق ذلك تفاهم «القوات» وعون على تعطيل انتخاب الرئيس سليمان فرنجية، حيث سمح عون لـ»ميليشيا القوات» بأن تقطع طريق قصر منصور وتمنع انعقاد الجلسة.

لم تكن هناك رغبة عونية بلقاء جعجع منذ اواسط الثمانينات الى اليوم إلّا عندما تشتدّ الضرورة لتحسين فرص الوصول الى قصر بعبدا.

اليوم يمارس كلّ من جعجع وعون المناورة ذاتها، وكلّ منهما يعرف ماذا يريد. لكنهما متفقان بالحدّ الادنى على قول «لا» لأيّ تسوية رئاسية قد تأتي برئيس لا يرضيان عنه.

بالنسبة إلى جعجع، فإنه حرّض عون على الترشح في وجهه منذ البداية، لمعرفته بأنّ نزول عون الى الجلسة يعني حتميّة انتخاب رئيس. خاض جعجع معركته بنجاح، فبعدما صوَّت له نواب عون بأسماء شهداء الحرب، ها هو اليوم ينتزع اعترافاً من عون بأنه منافسه المسيحي القوي، ذلك بعدما انتزع من حلفائه الاعتراف نفسه.

أما بالنسبة إلى عون، وعلى رغم اطمئنانه الى موقف «حزب الله»، فإنّ الاحتياط يبقى واجباً. من هنا أتت دعوة جعجع الى الرابية، وهي دعوة للاتفاق على عون رئيساً، على أن يتمّ إغراء جعجع بالولاية الرئاسية التي تَلي ولاية عون، وبحصصٍ وزارية ومنافع في السلطة.

يبدو اتفاق عون وجعجع على قول «لا» واضحاً. لكنّ كلَّ ما يرشح عن حركة الموفدين لا يدل على وجود تسوية على الابواب.

في جلسةٍ خاصة، قال الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، «الشيراكي» الهوى، والضليع في شؤون المنطقة، إنّه لم يأتِ الى لبنان للقيام بهذه المبادرة من فراغ. ولفت إلى إشارات إيرانيّة ورَدت الى فرنسا، التي قرَّرت التحرك وجسّ النبض، لمعرفة ما اذا كانت هذه الاشارات مجرّد مناورة، ام أنّها تحمل رغبة جدية بانتخاب رئيس تسوية، بالطريقة نفسها التي تمّ فيها تأليف الحكومة، حيث تراجعت إيران (حزب الله) عن مطلب الثلث المعطّل، وشكلت الحكومة.

تبدو المبادرة الفرنسية أقرب الى تحريك المناخ الرئاسي، لكنّ ذلك ينتظر جواب طهران. يراهن بعض المراقبين على حاجة إيران إلى التبريد في لبنان، في ظلّ تورّطها في سوريا بنزاع مذهبي طويل، لكنّ هذا الرهان لا يبدو متجهاً الى انفراج رئاسي قريب، خصوصاً أنّ تركيبة التحالف الداخلية لا تتحمّل المخاطرة بخسارة ورقة التحالف مع عون، المصمّم هذه المرة على خوض معركته حتى النهاية، وما إشارات اقترابه من جعجع سوى رسائل إلى حليفه «حزب الله»، بأنّ أوراقه البديلة جاهزة في حال غدر به للمرة الثانية (2008)، ويبدو عون مصمّماً على قلب الطاولة، سواء في تحالفاته، او في الاصرار على فتح معركة تغيير إتفاق الطائف، اذا لم يكن هو الرئيس العتيد.