IMLebanon

ماذا فعلتم بلبناني؟

 

كان ذلك خلال شهر أيلول من العام 1989، عندما وصلت إلى مطار تونس، لتغطية وقائع الإجتماع الذي انعقد في مقر جامعة الدول العربية، أيام السّعيد الذّكر الأمين العام التونسي للجامعة الشاذلي القليبي، من أجل بحث تطورات الوضع في لبنان، بمبادرة من وزير خارجية دولة الكويت، وكان يومها المغفور له الشيخ صباح الأحمد الصباح، قبل أن يجلس على كرسي الحكم أميراً على دولة الكويت.

 

أمير الكويت كان شغوفًا بحب لبنان واللبنانيين وإرشادهم دومًا إلى مصلحة بلدهم وضرورة جعلها هدفًا لكل منهم، خصوصاً المسؤولين والسياسيين وزعماء الأحزاب اللبنانيين أصدقائه وأصدقاء الكويت، ليس لأنّه يمتلك مزرعة شاسعة ما بين عاليه وبحمدون، كان يمضي فيها أجمل أيامه في لبنان الذي أحبّ، وبين أصدقائه اللبنانيين، وذلك قبل أن تُدمّر ميليشيات الحرب المزرعة والمنزل، الذي بناه الشيخ صباح داخلها للعائلة. ويقرأ كما قرأنا بأسف، العبارة التي كتبوها على بابها: «الثوار الوطنيون مرّوا من هنا». ومن يومها أقلع الأمير، صديق لبنان واللبنانيين، عن الإصطياف في لبنان، وبقي العقار الذي يضمّ المزرعة والمنزل بإسمه، وبذل جهده ونفوذه وزيرًا وأميرًا في سبيل إنقاذ لبنان وإعادة توحيده وإحلال الأمن والوفاق والوحدة الوطنية بين أبناء شعبه، لأنّ الأمير، كما أبناء دولة الكويت وحكامها، يعتبرون لبنان وما زالوا، وطنهم الثاني، كما أنّ اللبنانيين، الذين استقبلتهم دولة الكويت على مرّ السنوات المنصرمة، وصاروا يشكّلون جالية محترمة لها وزنها وإحترامها، يعتبرون الكويت وطنهم الثاني.

 

في أيلول سنة 1989 كان الخلاف الحكومي محتدمًا في لبنان، نتيجة الإنقسام الداخلي الذي سبّبه تدخّل التنظيمات الفلسطينية وحلفائها من الحركة الوطنية في شؤون لبنان الداخلية، ومن مخلّفات هذا الإنقسام المدمّر، قيام حكومتين، كل منهما تعتبر ذاتها وذواتها الحكومة الشرعية، الأولى برئاسة الدكتور سليم الحص والثانية كانت برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون.

 

وقد رأى رئيس اللجنة العربية المنتدبة من القمة العربية الشيخ صباح، وكان وزيرًا للخارجية في الكويت، أنّ الحل الواجب إعتماده للأزمة اللبنانية يكمن في توحيد الحكومتين (حكومة الرئيس عون، وحكومة الرئيس الحص) في حكومة واحدة يترأسها لشهرين الرئيس الحص، وذلك تمهيدًا للعمل على الحل النهائي، بانتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية، وتكليف الرئيس الحص، الذي يحترم اللبنانيون شخصه وكفاءاته، لتشكيل أول حكومة بعد حل الأزمة.

 

يومها، نقل لي السفير عبد الحميد البعيجان، سفير الكويت في بيروت ومندوبها الدائم بعد فترة لدى جامعة الدول العربية في تونس، رغبة الوزير الصباح بزيارتي الكويت، فقصدتها في اليوم التالي وقابلته في الوزارة، وتمنى عليّ نقل رغبته إلى العماد الرئيس عون، عقد لقاء معه قبيل إفتتاح المؤتمر المخصّص للبنان الذي يحضره رئيسا الحكومتين، أي عون والحص، على أن يكون اللقاء في مزرعة الليمون التي يملكها الوزير الأمير في مدينة تونس.

 

وهكذا كان. فور وصول الطائرة التي أقلّت الرئيس عون الى مطار الرئيس بورقيبة في تونس، توجّهت مع السفير البعيجان إلى فندق الهيلتون، حيث ترافقنا مع الرئيس عون، وكان في معيّته العميد فؤاد الأشقر، إلى مزرعة الأمير، حيث عقدا خلوة عنوانها لبنان وإجتماع تونس لحلّ الأزمة اللبنانية، الذي عُقد بدعوة من اللجنة الرباعية العربية. وبعد اللقاء تناولنا الغداء في المزرعة بدعوة من الأمير وزير الخارجية الكويتي، وعدنا بمعية الرئيس عون إلى فندق الهيلتون. وبعد ذلك وبناءً لطلب الأمير الوزير الصباح، عدت والسفير البعيجان إلى المزرعة وكان الأمير بإنتظارنا، بعد أن أنهى للتو مكالمة مع الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية. ولاحظنا، أنا والسفير، أنّه كان متجهمًا وغير مرتاح. فسألته النتيجة، فأجابني: «بكل أسف لم أنجح في مهمتي مع دولة الرئيس عون الذي أحترمه والرئيس الحص كثيرًا».

 

«إن لبنانكم، هو لبناني، ولبنان كل كويتي، حرام الإستمرار بتقزيمه وتدميره وتشويه صورته، وحرماننا ككويتيين من زيارته». هذا ما كان الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح يردّده دومًا أمام من يلتقيهم من اللبنانيين أصدقائه، مسؤولين أم زعماء أم مواطنين. كما أكّد هذه المحبة القوية للبنان والغيرة عليه وعلى شعبه في مواقفه وخطبه الرسمية، سواء في إجتماعات وزراء خارجية الدول العربية، أم في منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، أم بعد ذلك، خلال ولايته كأمير في المنتديات العربية والدولية.

 

خسارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح كانت كبيرة بالنسبة للكويتيين والعرب. لكن هذه الخسارة كانت وستبقى، أكبر بالنسبة للبنان واللبنانيين، هيهات أن تعوّض، وسيشعر بفداحتها اللبنانيون والكويتيون، من اليوم وحتى تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة، برعاية الأمير صديق لبنان واللبنانيين الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.