Site icon IMLebanon

«إمارة حمص» تخيف مسيحيي الشمال.. فمن يحميهم؟

«حزب الله» يضيِّق الخناق على التكفيريين في الجرود

«إمارة حمص» تخيف مسيحيي الشمال.. فمن يحميهم؟

تتقلص مساحة «داعش» و«النصرة» في القلمون والسلسلة الشرقية، ويتحرّك الميدان على إيقاع سياسة النفس الطويل التي يعتمدها «حزب الله» على طريق الوصول الى تحقيق الهدف المنشود: تحرير الجرود من المجموعات الإرهابية، ودفع خطرها عن القرى والبلدات اللبنانية. وأما ساعة الوصول، فسيخبر عنها الميدان عندما تحين ساعته.

«حزب الله»، وكما تؤكد «قراءة ميدانية»، يتقدم باحتراز كلي، وقضم مدروس للمواقع والتلال الإستراتيجية، والمجموعات التكفيرية تتقهقر.. انتهى القلمون اللبناني، وجرود القلمون السوري صارت منجزة بنسبة 80 في المئة. وأما جرود عرسال، فحتى الآن، تم تحرير نحو 25 في المئة من مساحتها، كما تمت السيطرة بالنار على كل هذه المساحة. وخارج السيطرة يبقى الجرد الذي تنتشر فيه مجموعات «داعش» والذي تبلغ مساحته حوالى مئة كيلومتر مربع.

وعلى رغم سياسة النفس الطويل، كما تلحظ تلك القراءة الميدانية، فإن المقاومين، وأمام تقهقر الارهابيين، يجدون انفسهم مضطرين للتقدم بوتيرة أسرع مما هو مرسوم في خطة تحرير القلمون والجرود العرسالية.

حتى اليوم، ثمة تكتم جدي على السقف الزمني الذي يستلزمه التحرير، إنما الثابت لدى المقاومين هو أنه «من اليوم ولغاية آخر الصيف الحالي، نكون قد انتهينا التطهير بالكامل للقلمونيْن اللبناني والسوري. أي أنه لن تعود مقولة الشتاء والثلج، ولن يُسمح لتلك المجموعات أن تعود وتتموضع في المنطقة وتحفر المغاور وتأوي إليها، ومن ثم يعودون ويتصلون بعرسال من جديد».

في الميدان، من الواضح أن الامور تنحو في اتجاه الإطباق على المساحة التي يسيطر عليها «داعش»، وقطع تواصلها مع سوريا كما مع لبنان، وهذا يقتضي وصول «حزب الله» ، بالشراكة طبعاً مع الجيش السوري، الى نقطة معينة في عمق المنطقة الداعشية، لها منافذ الى الداخل السوري، وبالتالي إغلاق ما سماه مرجع أمني كبير «عنق الزجاجة»، إذ إن استمرار هذا العنق مفتوحاً كمعبر للإرهابيين بين لبنان وسوريا، معناه ان إنجاز القلمون يبقى ناقصاً، بل يبقي المنطقة مفتوحة على احتمالات معاكسة لهذا الإنجاز، اذا ما تسنت للمجموعات الإرهابية لحظة مؤاتية لذلك.

وتلحظ القراءة الميدانية أنه إذا كانت المواجهة مع «جبهة النصرة»، ليست بالامر السهل بل تتطلب حذراً، اذ ان عناصرها يقاتلون من منطلق عقائدي، فإن المواجهة مع «داعش»، قد لا تكون بذات المستوى من الخطر، وأسهل من القتال مع «النصرة»، خاصة أن «الدواعش» ليسوا عقائديين، بل مجموعات من المرتزقة انضوت بالأجرة تحت عنوان «داعش». والمتوقع ألا تطول المعركة معهم في جرود عرسال.

هنا تلحظ تلك القراءة ايضا، ان عناصر «داعش» ربما بدأوا يشعرون جدياً بأن الخناق بدأ يضيق عليهم، وأنهم قد يجدون انفسهم في لحظة معينة معزولين في مناطق ومحاصرين من كل الجهات، ولذلك بدأوا يطرحون لأول مرة، إمكانية التفاوض حول العسكريين المخطوفين.

بحسب تلك القراءة، فقد كانت لمعركة الجرود مجموعة وظائف في مهمة واحدة، تصب كلها في خدمة هدف كبير، هو حماية دمشق ومنع سقوطها، وكذلك حماية حمص.

الوظيفة الاولى، إحباط مخططات لعمليات إرهابية واسعة كانت المجموعات الإرهابية قد أعدتها لاستهداف عدد من البلدات والقرى اللبنانية الحدودية. وقد تم ذلك بنجاح.

الوظيفة الثانية، «تأمين» طريق دمشق ـ حمص، والإمساك به بقوة والسيطرة على التلال المطلة عليه، وعدم ترك المجموعات الارهابية تسيطر عليه مهما كلف الامر.

الوظيفة الثالثة، «تأمين» آخر منفذ بري بين سوريا ولبنان والإمساك به، فكل المعابر باستثناء البحر، خارج سيطرة النظام السوري، فالمعابر ما بين سوريا والاردن تحت سيطرة «جبهة النصرة»، والمعابر بين سوريا والعراق تحت سيطرة «داعش»، والحال نفسه بين سوريا وتركيا.

على ان هذا المنفذ، اي خط بيروت ـ دمشق، ليس مهماً لسوريا بقدر ما هو مهم جداً للمقاومة، على اعتبار أن هذا المعبر يشكل خط الإمداد، او الشريان الحيوي الذي لا يستطيع «حزب الله» ان يتسهين به. ومن اجل خط بيروت دمشق، ومن اجل دمشق بالذات ومن اجل مطار دمشق اللذين يشكلان مسألة حيوية جداً بالنسبة الى المقاومة، فإن «حزب الله»، وكما تؤكد القراءة الميدانية، مستعد لأن يبذل الغالي، ولن يسمح بسقوط دمشق مهما كلّفه ذلك، حتى ولو اضطره الأمر مجدداً، فلن يتأخر في نقل مجموعات إضافية من المقاتلين الى دمشق من أجل حمايتها ومنع سقوطها في يد المجموعات الإرهابية. إذ إن سقوطها بمثابة شر مستطير على المنطقة بأسرها. علماً ان العملية التي سبق أن نفذها «حزب الله» في القنيطرة مطلع العام الجاري، كانت تصب بشكل مباشر في هدف حماية دمشق.

وحماية دمشق، في نظر «حزب الله»، حماية للبنان في آن معاً، وتلك الحماية، كما تقاربها القراءة الميدانية، لا تتأمن الا بالطريقة الوحيدة الصحيحة التي اعتمدها «حزب الله»، أي القتال المباشر والدفاع عن النفس واستباق الخطر، ولا تتأمن بالتمنيات او الرهان على حمايات دولية ووعود وهمية وكاذبة من هذا الطرف الاقليمي أو ذاك، ولا بالوقوف على الحياد.

وخلاصة القراءة الميدانية هنا: الحماية غير متاحة، الحياد غير ممكن، والخيار الوحيد هو القتال والدفاع عن النفس في المناطق المهددة بالخطر التكفيري.

وتبرز في تلك القراءة الميدانية، إشارتها الى انه حتى اليوم لم يحصل اختلال جدي في ميزان القوى في سوريا، فتارة يتقدم النظام السوري في اماكن معينة ويخسر مناطق اخرى، وتارة تتقدم المجموعات التكفيرية في مناطق وتخسر مناطق اخرى. الصورة النهائية تحددها وقائع الميدان في الآتي من الايام، وأما حالياً فتبدو الصورة وكأن كل طرف يحاول ان يحسِّن اوراقه ومواقعه على الارض. صحيح ان تلك المجموعات تسيطر على مساحة واسعة من الارض السورية، الا انها بمجملها مساحات صحراوية لا حياة فيها، ولا قدرة كاملة لأي كان على الاستمرار في حمايتها والإمساك بها. بينما يسيطر النظام على المناطق الأكثر إستراتيجية واكتظاظاً، والأهم المدن الرئيسية التي عمل في الآونة الاخيرة على تحصينها بشكل كبير.

على ان اللافت للانتباه، هو ان تلك القراءة تضع حمص في دائرة الخطر، وتقول إن المخطط الحالي للمجموعات التكفيرية هو السيطرة على محافظة حمص. التي تكتسي مجموعة اهميات في آن واحد: إنها المحافظة الوسطى في سوريا وقريبة من دمشق. إنها اكبر المحافظات السورية، إذ تبلغ مساحتها 40 الف كيلومتر مربع، اي اكبر اربع مرات من مساحة لبنان، إنها المحافظة التي لها حدود مع العراق، ومع الاردن، وتركيا، ومع لبنان.

وبحسب تلك القراءة، فإن الهجوم الأخير الذي شنته مجموعات «داعش» على مواقع «حزب الله» في القلمون قبل نحو اسبوعين، كان الهدف الاساسي منه، في خطوة اولى هو الوصول الى القصير، التي تشكل عقدة المواصلات الرئيسية المشرفة على خط حمص دمشق. والسيطرة على القصير معناه تجويف انتصار القلمون بالكامل. وأما الخطوة الثانية فهي التوجه نحو حمص، كواحدة من جبهات الهجوم عليها.

هذه الخطة وصولا الى حمص، كما يقول صاحب القراءة، أبلغها أحد الملوك العرب لقطب سياسي لبناني، كما تبلغها وزير حالي من وزير الخارجية الاردني.

الا ان الواضح، بحسب القراءة الميدانية، هو ان معركة القلمون وانتصار «حزب الله» فيها مع الجيش السوري، يضعف احتمال انتصار تلك المجموعات في حمص، علماً أنها تحضر وتستعد لهذه المعركة منذ مدة. لكن اللافت للانتباه هنا، هو ان بروز تداعيات لبنانية مسبقة لمعركة حمص التي لم تبدأ بعد، ولا سيما منها ازدياد منسوب القلق عند المسيحيين في لبنان، وعلى وجه الخصوص مسيحيي الشمال وعكار؟

يقول عارفون إن شخصيات مسيحية من مناطق عكارية حدودية، قامت في الايام القليلة الماضية بزيارات غير معلنة لجهات حزبية على صلة مباشرة بالأزمة السورية وطرحت سؤالا محدداً: ماذا نفعل امام الخطر الآتي؟

عبرت تلك الشخصيات عن قلق بالغ من معركة حمص وتخوفت من احتمال ان تسقط حمص بيد المجموعات التكفيرية، وهذا معناه:

ـ الشرارة ستتمدد من حمص حتماً الى المنطقة الأقرب وهي لبنان، وتحديداً في اتجاه الشمال.

ـ الامارة التي سبق ان حذر من إقامتها قائد الجيش العماد جان قهوجي وتمتد من حمص الى البحر الى الشمال اللبناني، ستعلن فوراً، بالتوازي مع تحرك لكل الخلايا النائمة او الكامنة، او كل المجموعات التي تشكل بيئة حاضنة لتلك المجموعات.

ـ اول المتضررين هم المسيحيون، وثمة «مزحة» معبرة وردت على لسان إحدى الشخصيات المسيحية «سقوط حمص يعني أن مسيحيي الشمال ثاني يوم في جونية»!

ـ هذا الواقع، إن حصل، يضع مسيحيي عكار والشمال، امام مجموعة خيارات: الهجرة. الحياد، لكن المشكلة هنا ان الطرف التكفيري لا يضع المسيحيين على الحياد فهو قدر هدر دمهم سلفاً. البحث عن حماية إقليمية ودولية، ولكن هذا الخيار يصطدم بتجارب ورهانات فاشلة في العراق وسوريا. التسلح والقتال، الا ان هذا الخيار ضعيف…

ثمة من يسلم بالهزيمة المسبقة، ولان هناك من المسيحيين من يرى الخطر التكفيري بأم عينه لكنه ينفيه ويعمي النظر عنه ويحجبه بغبار. وثمة مثال معبر، اذ في أحد اللقاءات بين العماد ميشال عون وسمير جعجع قبل اعلان التفاهم، سعى عون الى حمل جعجع على وقف حملته على «حزب الله» لانه لولا الحزب لكانت المجموعات التكفيرية قد ابتلعت لبنان. فخالفه جعجع قائلا ما مفاده «لا تقلق، فثمة خيمة دولية إقليمية تحمي لبنان وتمنع الاقتراب منه»!