IMLebanon

من صاروخ هايكازيان إلى مسبار الإمارات

 

 

نُبارك لدولة الإمارات العربية المتحدة إنجازها العلمي المهمّ في ريادة الفضاء من خلال المسبار الذي أُطلِق للهبوط على سطح المريخ. إنه إنجازٌ كبير بكل ما للكلمة من معنى.

 

هذا الحدث العلمي، بالغ الأهمية، أثار في نفسي شؤوناً وشجوناً. لقد فرحت كثيراً لأن بلداً عربياً حققه. فكم بالحري إذا كانت الإمارات التي تُقيم فيها جاليةٌ لبنانية كبيرة، فاعلة، تحظى بفرص العمل في مختلف نواحي الحياة ما يُسهم في دورة التقدّم والتطوّر هناك، وبالذات أنني كنت أحد هؤلاء يوم أطلقتُ مع زملاء آخرين جريدة «البيان» اليومية الزاهرة، كأول مدير عام، في 10 مايو (أيار) 1980.

 

إلى ذلك، فتح هذا الحدث العلمي جِراحاً مُقيمةً حُزناً على وطننا لبنان: أين كنّا وأين أصبحنا! وأنا لست في مجال المقارنة. فقط أتحسّر على حالنا بعدما «كُنا سيدها صرنا نُطبّل في عرسها».

 

قبل نحو نصف قرن، حقق المجتمع المدني في لبنان إنجازاً عظيماً تمثّل في إطلاق أساتذة وطلاب معهد هايكازيان، الذي مقرّه في القنطاري، دفعاتٍ من الصواريخ، بعيدة المدى بالنسبة إلى تلك الأيام لأنها تجاوزت الثلاثماية كيلومتر. وتكرّرت تلك التجارب الناجحة.

 

في تلك الحقبة من الزمن، كان لبنان يُشكّل طليعةً بهيّةً في عالمنا العربي حين كنا على أهبّة أن ننتقل إلى العالم الأول لو لم تدهمنا الحروب اللعينة التي وصفها الراحل الكبير المرحوم غسان تويني، من على منبر مجلس الأمن الدولي، بأنها «حروب الآخرين على لبنان». وإذ أؤيد التوصيف، إلا أنني أُحمّل أنفسنا جانباً كبيراً من المسؤولية عن تلك الفواجع والكوارث، لأننا سمحنا للـ»آخرين» أن يُحوّلوا بلدنا إلى ملعب، وأن يُحوّلونا إلى كراتٍ يتقاذفونها… وأما النتائج فمئات آلاف القتلى، ودمار لا حد له وتوقّف دورة التقدّم والتطوّر.

 

في الحقبة إياها، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في بداية نموّها وتلمّس إنجازاتها الهائلة. على سبيل المثال، لم يكن يومها ثمة مجال للمقارنة بين مرافقنا المُزدهرة ومرافقها كالمطار والمرفأ، مرفأ بيروت ذاته المنكوب والذي نُكِب لبنان بتفجيره. وكانت بيروت لؤلؤة المتوسّط، وباب الشرق إلى الغرب وبالعكس. وكان نهارها نهاراً وليلها نهاراً أيضاً، لأنها العاصمة التي لم تكن لتنام. ومن نافل القول أن نُكرر الكلام على أنها الواحة المستدامة كونها عاصمة العلم والثقافة، والفكر والحرية في المنطقة، ومطعمها، وفندقها، ومكتبتها، ودار نشرها، وطبيبها، ومستشفاها، ومنتداها، ومنتجعها، وملتقى الحضارات…

 

أما اليوم، فالمقارنة لا تجوز بين ما وصلت إليه الإمارات وما هبط إليه لبنان، والأسباب عديدة أهمها قاطبةً أن في الإمارات قادةً يعرفون كيف يُسابقون الزمن فيسبقونه.

 

مُباركٌ للإمارات هذا الإنجاز المُستحق الذي يُمهّد لإنجازاتٍ لا تتوقّف عند ارتياد المريخ.