لا مساعدات دولية للبنان من دون تشكيل حكومة… وعلى دياب تعويم حكومته بنفسه
بين خبر يتحدٌث عن تقديم الرئيس المكلَّف سعد الحريري تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية ميشال عون، وآخر يؤكّد عدم وجود أي تشكيلة حالية في يد الحريري، تضيع الطاسة وسط بلدٍ على طريق الإنهيار الشامل، ولا من يسأل. والواقع أنّ الرئيس المكلَّف مقيّد بالضغوطات الخارجية والمطالب الداخلية ولا يستطيع أن يتحرّر من أي منها ليُشكّل الحكومة التي وعد بها من الإختصاصيين المستقلّين.
مصادر سياسية مطّلعة رأت بأنّه على حكومة الرئيس حسّان دياب التي جرى تفشيلها أن تأخذ زمام الأمور بيدها وتقوم ليس فقط بتصريف الأعمال إنَّما أيضاً بصلاحيات أعطاها إيّاها الدستور بهدف إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، ما دام الرئيس الحريري يضع ورقة التكليف في جيبه وينتظر التسويات والمتغيّرات.
وذكرت المصادر، بأنّ حكومات تصريف أعمال سابقة عدّة تابعت العديد من مهامها رغم استقالتها، ما يُحفّز الحكومة الحالية على القيام بالأمر نفسه، سيما وأنّ الرئيس دياب لا يزال يتحدّث باسم الحكومة. وقد شجّعها رئيس الجمهورية أخيراً على تفعيل دورها أو تعويم نفسها بنفسها، ما دام تشكيل الحكومة الجديدة مجمّداً.
وشدّدت المصادر، على أنّه من الضروري أن يُعاد النظر بما نصّت عليه «وثيقة الوفاق الوطني» في الطائف، فيما يتعلّق بموضوعي دعوة رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية المُلزمة وتشكيل الحكومة من الرئيس المكلَّف. فمن الضروري تعديل هذين الأمرين وتحديد مدّة زمنيّة للدعوة للإستشارات، وفترة محدّدة أيضاً للرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة، وذلك لكي لا تقع البلاد في فراغ أو جمود على الصعيد الحكومي. فمن دون حكومة لا يتمّ اتخاذ القرارات التي من شأنها تحريك بعض الملفات الملحّة، ولا يأخذ المجتمع الدولي لبنان على محمل الجد.
وفيما يتعلّق بعدم تشكيل الحريري الحكومة الموعودة حتى الآن، أوضحت المصادر نفسها بأنّ تشكيل «حكومة المهمّة» التي ينادي بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخارج، وإن بدت المعوقات داخلية. فأي إسم لوزير شيعي أو مسيحي أو سُنّي لا تتمّ الموافقة عليه من الخارج، فإنّ أي من المساعدات التي ستحصل عليها الحكومة لإنقاذ الوضع الإقتصادي المتردّي لن تأتي. ما يعني بأنّه حتى لو جرى الاتفاق بين الحريري والثنائي الشيعي، أو بينه وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على أسماء الوزراء في حكومته، ولم توافق عليها الدول المانحة وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وسواهما، فإنّ هذه الأسماء أو هذه الحكومة لن تمرّ.
من هنا، فإنّ «وحدة المعايير» التي يتمسّك بها «التيّار الوطني الحرّ» ليست هي فقط من يقف حائلاً دون تشكيل حكومة الحريري، إنَّما أسماء الوزراء ككلّ، مع تباين بسيط أنّ النقاش على الأسماء مع الشيعة والدروز يبدو مرناً أكثر، في الوقت الذي يبدو أصعباً بين الحريري وباسيل إذ ليس من اتفاق على التداول بالأسماء بين هذين الفريقين.
وبطبيعة الحال، فإذا شكّل الحريري تشكيلة لا تحظى بثقة دول الخارج، لن يتمكّن من القيام بمهمّة الإنقاذ من دون المساعدات المالية لا سيما بعد أن جرى إفلاس البلد بسبب سياسات الحكومة الخاطئة على مدى الثلاثين سنة الماضية.
وبرأي المصادر، إنّ عقد «المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني»، لم يتجاهل الدولة اللبنانية أو الحكومة اللبنانية سهواً، بل تقصّد ذلك للدلالة على عدم ثقة المجتمع الدولي لا بالحكومات ولا بالجمعيات غير الحكومية التي لا تقوم بخدمة الشعب وإعلاء مصلحته قبل أي مصلحة أخرى. ولهذا يصرّ الجانب الفرنسي على تشكيل حكومة مهمّة فاعلة قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة لكي تتمكّن من تحقيق الإصلاحات المطلوبة، كما على مسألة التدقيق الجنائي الذي تنصّ عليه المبادرة الفرنسية لمعرفة زواريب الهدر والفساد، وأين ذهبت أموال الشعب.
ولهذا على الحريري التسريع بالتوافق مع الرئيس عون على تشكيلة حكومية يرضيا عنها وتلقى موافقة الخارج لتكون عيدية للشعب اللبناني الذي ينوء تحت خط الفقر والجوع والبطالة، على ما أكّدت، سيما وأنّه زار قصر بعبدا بعد ظهر الإثنين للمرة العاشرة بهدف إعادة تفعيل ملف تشكيل الحكومة، وليس كما اعتقد البعض لتقديم مسودة تشكيلة حكومية ما.
وإذ بات مؤكّداً أنّ الرئيس ماكرون سيعود الى لبنان في زيارة ثالثة قبل عيد الميلاد في 20 أو 21 كانون الأول الجاري لكي يُعيّد مع كتيبة بلاده العاملة في قوّات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، ولكي يلتقي أيضاً المسؤولين اللبنانيين واستكمال المحادثات معهم. فهل يُمكن أن يأتي ماكرون للمرة الثالثة ليسأل المسؤولين عن مصير «حكومة المهمّة» من الكفوئين والقادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظرها والتي ينتظرها المجتمع الدولي بفارغ الصبر، ولا تكون قد تشكّلت بعد؟ لمن المخزي فعلاً الوصول الى مثل هذا الوضع ؟!