لبنان جمهورية مشلولة.. لا حكومة ولا دستور ولا عدالة!
بعد أسبوع يصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت التي كان أغرقها بأحلام وردية، كلاماً عالي السقف ووعوداً وأحضاناً ونوستالجيا، خلال زيارته السابقة غداة تفجير المرفأ الإجرامي في 4 آب الماضي. تُراه ماذا سيقول للذين التقاهم حينها طالباً دعم مبادرته لحل الأزمة التي تعصف بهذا البلد؟
قبل التساؤل عما سيقوله ماكرون للبنانيين ولمن التقاهم في قصر الصنوبر، وهم الذين أفشلوا مبادرته للحل بعد التعهّد بدعمها، هل يحق له ولإدارته أن لا يكونوا على دراية تامّة وكاملة باستحالة الإصلاح ووقف الفساد والانهيار مع هذه الطبقة السياسية في لبنان، وهل ثمة في الأسرة الدولية من لا يعلم بأن السبيل الوحيد للتعامل مع هؤلاء هو سيف العقوبات والضغط والعزل والملاحقة وتتبّع جرائم النهب، وهم الذين تخصصوا في ابتزاز العالم من خلال اللعب على الكلام وبيع الأكاذيب وتفشيل كل مساعي الإنقاذ والإصلاح منذ باريس – 1 مروراً بكل المبادرات والمؤتمرات وصولاً إلى «سيدر» فمبادرة ماكرون؟
باريس تعلم، ولا يمكن الافتراض إلا أنها تعلم، أن المنظومة نفسها، وحتى لا يذهب الظنّ إلى ملفات النهب وإفلاس البلد وسرقة أموال المودعين فقط، استكملت خطوات خنق البلد بعد خطفه، بتفجير مرفأ بيروت «الغامض»، وتعمل الآن على تفخيخ مسار العدالة، والتنكر لأرواح مئات الضحايا وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المتضررين من خلال السعي لحماية المتورطين والمشتبه بهم تحت حجج وذرائع وألاعيب شتى.
لا حكومة ولا دستور.. ولا عدالة!
ماذا سيقول ماكرون للمنظومة التي تعهّدت أمامه في قصر الصنوبر بدعم مبادرته الإنقاذية؟
في الطريق إلى استقبال الرئيس ماكرون، لا حكومة في بلد استساغ حكّامه وجزء كبير من شعبه أن يحكمه الفراغ والشعبويات وتجاوز الدستور.. أصلا ما الحاجة لحكومة، فالمجلس الأعلى للدفاع يجتمع، بدعوة من وبرئاسة الرئيس ميشال عون، ويصدر قرارات وتوصيات، وفي الطريق إلى تغيير النظام اللبناني بالممارسة من يهتم سواء شُكّلت الحكومة أم لم تشكل، تلك تفاصيل ثانوية.
الرئيس عون وبدل توقيع التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلف سعد الحريري قبل أيام، قدّم إليه تشكيلة حكومية بديلة طالباً بحثها!! الخطوة المستهجنة ليست الأولى من قبل عون مع تشكيل حكومات عهده، سبقها الكثير من مثل استشارات التأليف قبل التكليف، واستشارات الكتل بموازاة استشارات الرئيس المكلف، سوابق ناشزة وسافرة في قضم الصلاحيات والاستهانة بالدستور والطائف، وتهدف إلى فرض أمر واقع مخالف لكل الأصول والأعراف والتقاليد ومصلحة البلد.
هكذا يكتمل السواد.. العهد ليس عهداً نحساً على اللبنانيين فقط، بل عهد الفوضى والبؤس وتجاوز الدستور وقمع الحريات… ومحاصرة العدالة، في وقت تزداد حياة اللبنانيين ضيقاً ويأساً وإفلاساً وجوعاً، والمسؤولية التاريخية تقع على عاتق كل من سمح وغضّ الطرف عن تجاوزات الذين جعلوا من الدستور وجهة نظر، ويتحملون جميعاً مسؤولية ما آلت إليه أوضاع لبنان.
أنين ضحايا المرفأ
قبل الحكومة وبعدها، ثمّة ما يدعو للتساؤل في مسار التحقيق بجريمة تفجير المرفأ، ليس تشكيكاً في عمل قاضي يريد منه اللبنانيون أن يذهب إلى أبعد حدود في كشف ملابسات جريمة بحق لبنان والإنسانية تفوق الوصف وتفضح التقصير والإهمال والتواطؤ وربما ما هو أفظع وأكبر، بل للتأخر باستدعاء كل المنظومة السياسية والميليشياوية والحكومية والأمنية دون استثناء أو اجتزاء، لأن ذلك يفتح باب المزايدات الطائفية، في بلد تحمي فيه الطائفية الفساد والإهمال والتواطؤ، وإذ ما شعرت بالانفضاح تأتي ردود أفعالها طائفية شعبية!
جريمة المرفأ من البشاعة والضخامة والتخطيط والمافيوية ما يجعل التحقيق فيها مفتوحاً على كل الاحتمالات والتقديرات والسيناريوات المتوقعة وغير المتوقعة، ولا يعقل ومن غير المقبول حصر المسؤوليات فيها في الجانب الإداري أو البيروقراطي، ففي ذلك استهانة بدماء الضحايا والجرحى والمتضررين، وفي حق الحاضر والمستقبل، وفي حق العدالة والحقيقة.
للتذكير ليس إلا، هناك أسئلة كبرى، لم يتم الإجابة عنها حتى الآن، لماذا أدخلت النيترات، ومن أدخلها، ومن أمر باجتزاء قسم كبير من المرفأ وجعله خارج سيطرة الدولة منعها من الدخول إليه، وأين اختفت أطنان من المخزون القاتل قبل أن ينفجر ما تبقى ببيروت وناسها؟
هل يقولها ماكرون؟
في الأثناء، وفي الطريق إلى استقبال الرئيس ماكرون، تزداد حياة اللبنانيين بؤساً لا قعر له ولا حدود؛ تراكم الأزمات الحياتية والمعيشية والاقتصادية بفعل خبث العصابة التي تظنّ أنها «دجّنت» الشعب بعد مرور أكثر من سنة على انفجار الأزمة، فبات كثيرون يرون في استمرار تأمين السلع الحياتية والمعيشية، ولو بسعر مضاعف مرتين أو ثلاثة خير من فقدانها، بعدما دجّنتهم على تقبل فكرة تبخّر الودائع والمخرات!
الحقيقة التي يعرفها الرئيس ماكرون، وينتظر اللبنانيون منه إعلانها أمامهم وأمام العالم، هي أن لبنان بات جمهورية مشلولة، حيث لا الحكم ولا الحكومة ولا العدالة تعمل، وحيث الفساد والشعبوية والاحتيال والتكاذب والمقامرة والمتاجرة بكل شيء هو ما يتحكّم… كل ذلك شكّل عناصر الانقلاب على المبادرة الفرنسية وإفشالها، والجميع يعلم أنها كانت الفرصة الأخيرة للإنقاذ.
مؤسفٌ، لكنه مهم، القول بأن مقاربات باريس في لبنان المُهدّد في وجوده وبقائه ودوره.. قاصرة، فهي لم تتعلم من أخطائها، بل، على العكس، أصرّت على المزيد من الإمعان بالغلط وتجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة؛ أي غياب الدولة، وانتهاك السيادة، وبيع الأوهام، وتغوّل المنظومة، وفجور الميليشيا، وتصديق أوهام حلف الأقليات وخطاب الشعبويات.. فهل يتغير شيء من ذلك؟