تلعب فرنسا ورقتها الأخيرة في لبنان محاوِلةً تحقيق خرق ما، بينما يسبّب فشل مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون مزيداً من الإنهيار اللبناني وليس في الداخل الفرنسي.
تبقى غلطة ماكرون الأساسية أنه أعاد بثّ الروح في الطبقة السياسية اللبنانية، وردّها إلى الساحة العالمية من خلال لقاء قصر الصنوبر الشهير معها بعد زلزال 4 آب المدمّر، واستفادت هذه الطبقة من الدعم المعنوي الفرنسي لتُعيد إحكام قبضتها على الساحة اللبنانية.
لكن ماكرون كان واضحاً عندما قال “أنتم يا شعب لبنان من أتيتم بهؤلاء السياسيين ليحكموكم وليس أنا”، في رسالة إلى اللبنانيين بأن أمامهم مهمة جديدة في أيار 2022 وهي إسقاط هذه الطبقة.
لكن معظم الإحصاءات تتقاطع بأن هذه الطبقة الحاكمة لا تزال تملك الغالبية وستحصد العدد الأكبر من المقاعد في مجلس النواب، وبالتالي ستكون عاملاً مؤثراً رئيسياً في الشق الداخلي المختص بانتخاب رئيس للجمهورية، بينما العامل الإقليمي والدولي هو الأساس دائماً في هذا الإستحقاق.
وتشير مصادر ديبلوماسية إلى أن فرنسا تتعامل بواقعية مع الملف اللبناني، فهي لا تتجاهل هذه الطبقة السياسية لأنها تعلم أنها لا تزال تُمسك بالشارع وبمقدرات البلد، بينما المعارضة الحقيقية لا تزال ضعيفة وغير منظمة وغير مهيّأة لاستلام زمام الأمور.
في المقابل، فإن باريس ترى أن تأليف جبهة معارضة جديدة من أشخاص موثوقين ويتمتعون بمصداقية ويحملون برنامج عمل موحّداً ينصّ على إجراء الإصلاحات الضرورية، قد تستطيع تشكيل خرق ما على الساحة اللبنانية خصوصاً وأن صناديق الإقتراع تقرّر بيد من ستكون الأكثرية.
وتؤكّد المصادر الديبلوماسية أن هدف باريس تأليف حكومة حالياً بأي ثمن، ما يدل على أنه تمّ الخروج عن مبادرتها، فماكرون عندما زار لبنان أراد تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّين غير تابعين لأحزاب أو قوى سياسية، يُجرون الإصلاحات الضرورية ويتمّ إيقاف موجة الإنهيار.
أما اليوم، فتشاهد باريس بأمّ العين أن القوى السياسية تتقاسم “جبنة” الدولة، فكل حزب أو تيار يطالب بحصّة وزارية وكأن البلاد بألف خير، ما يعني أن الحكومة ستكون حكومة سياسية بامتياز حتى لو ارتدت ثوب الإختصاصيين.
وقد يشكّل تسليم باريس بالواقع اللبناني ضربة قاسية للقوى التي كانت تؤمن بالتغيير، فلا فرق أن يأتي رئيس تيار أو حزب او نائب منه أو يأتي المستشار وزيراً، وهذا الأمر يدفع الجميع إلى التأكّد بأن الواقع اللبناني لن يتغير حتى لو نجح الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة سريعاً.
تعرف باريس جيداً أن هناك مطبات وألغاماً مزروعة في الأرض اللبنانية، لكن ماكرون لا يزال يحاول فكفكتها لأنه لا يوجد لديه خيار بديل، فكي يعبر مجدداً إلى شواطئ الشرق الأوسط ويكون لديه موطئ قدم، عليه اجتياز الأرض اللبنانية أولاً وأخيراً حتى لو كانت مزروعة بالألغام، لأن البلدان الأخرى لا تدور في فلك السياسة الفرنسية.
يستمر ماكرون في ضخّ المساعدات الإنسانية لشعب لبنان، وهو يؤكّد أنه يفصل الشعب عن الحكّام في رسالة واضحة أنه لن يتخلّى عن لبنان مهما أمعن الحكّام في التخريب والتعطيل.