Site icon IMLebanon

رهان «غير واقعي» على زيارة ماكرون للرياض: هل هناك تمايز إماراتي ــ سعودي في لبنان؟

 

 

رغمَ مجاراتها في بعض الإجراءات على خلفية «أزمة القرداحي»، إلا أن الإمارات لا تزال تضمر سياسة متمايزة عن سياسة السعودية في لبنان. دافعها الأهم هو العامل الاقتصادي، لذا تتصرف بأسلوب يصفه البعض بـ«الواقعي»، بينما تذهب الرياض أكثر الى التشدد ما يجعل التعويل على الدور المصري وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبالغاً فيه

 

يعود زوّار السعودية بانطباعات مختلفة تماماً عما بدأ يتردّد أخيراً عن بداية تحوّل في موقف الرياض من الأزمة الأخيرة. الجميع ينتظرون زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض بداية الشهر المقبل، ويراقب آخرون تحركات واجتماعات غير علنية تجرى في القاهرة، مع تداول «معلومات» عن أن العاصمة المصرية تقترب من فتح كوّة في الجدار السعودي ــــ اللبناني، وأن المملكة ستستفيد منها لتخفيف حجم التصعيد الذي استوجبه افتعال الأزمة مع لبنان. وتردّد، أيضاً، أن الرياض ستبدأ بالتراجع عن بعض الإجراءات التي اتخذتها، ولا سيما الاقتصادية منها، ولعلّ هذا الاطمئنان مصدره رهان على خرق فرنسي، لكنه رهان لا يبدو واقعياً بحسب شخصيات على تواصل مع المسؤولين السعوديين الذين يتحدثون عن مشكلة «أولى» بين وليّ العهد محمد بن سلمان وماكرون نفسه، وهي مشكلة تحتاج الى علاج قبل أن يتحوّل ماكرون الى وسيط بين السعودية ولبنان.

 

التسريبات الواردة من الرياض تُفيد بأن «الموقف السعودي لم يتبدّل»، ونُقِل عن مسؤولين فرنسيين زاروا العاصمة السعودية تحضيراً لزيارة ماكرون، أنهم فوجئوا بـ«رفض سعودي مطلق للبحث في الملف اللبناني». وتوافرت معلومات لدى جهات لبنانية على اتصال بالسعوديين تؤكد أن العنوان المقبل للسياسة السعودية هو «القرار 1559» والتركيز على نزع سلاح حزب الله.

أما أصدقاء مصر في لبنان، فيتحدثون عن سعي القاهرة للقيام بدور لا تملك ثمنه. ولا يُتوقع أن ترفض الرياض مبدأ الوساطة، لكنها ستسأل عن الضمانات. وعليه، يؤكد هؤلاء ومعهم العارفون بأحوال المملكة أنها ستزيد من تشدّدها. لكن الدور المصري يبقى أساسياً في ظل عدم قدرة العواصم الخليجية على القيام بأي دور من شأنه إغضاب الرياض، وعدم وجود حماسة أميركية لـ«مبارزة» ابن سلمان من بوابة الملف اللبناني. لكن الأمر يظل رهن ما يحققه الأميركيون في تواصلهم مع السعوديين لتتمكن مصر من الدخول مباشرة الى الملف.

من يؤكد على استمرار تشدّد الموقف السعودي، يعزو ذلك الى مؤشرات عدة؛ بينها:

أولاً، فشل المحاولات السعودية في الأشهر الماضية في فرض وقائع ميدانية في اليمن تعطيها حصة من التسوية في المنطقة. وبالتالي فإنها لن تبيع الورقة اللبنانية بأبخس الأثمان.

ثانياً، أصبحَ السعوديون أكثر توتراً بعد الموقف اللبناني من التصعيد الخليجي. إذ لم تتوقّع الرياض تعاملاً لبنانياً متماسكاً. صحيح أن هذا الموقف حمَل حرصاً على العلاقة مع دول الخليج، لكنه بقي حازماً. وبالتالي، فإن تلمّس السعوديين فقدانهم جزءاً من هيبتهم على الساحة اللبنانية يشعرهم بأن عليهم التشدد أكثر.

 

رفض سعودي مطلق للبحث في الملف اللبناني

 

 

ثالثاً، وهو العنصر الجديد المتعلق بما يطلق عليه اليوم «التمايز الإماراتي». إذ يبدو للجميع أن هناك اختلافات بين أبو ظبي والرياض حول ملفات شائكة مثل اليمن وسوريا. صحيح أن الإمارات لن تدخل في مواجهة مع السعودية، وهي تقف الى جانبها في الموقف من الأزمة اللبنانية، إلا أن «ذلِك لا يخفي أن للإمارات مشروعاً مختلفاً»، حيث تظهر «واقعية» تعكس فشل رهاناتها السابقة، وهي تحاول فتح صفحة جديدة، سواء مع سوريا، التي زارها أخيراً وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وإيران، التي أعلن وزير خارجيتها عن اتفاق على فتح صفحة جديدة بين البلدين عقبَ لقاءات بينَ مسؤوليها، فضلاً عن تركيا التي تقاطعت مصالحها مع استئناف العلاقة مع الإمارات برغم الخلاف الكبير بين الجانبين حول «الإخوان المسلمين». وتتّجه الإمارات لإطلاق استثمارات في تركيا وتوقيع اتفاقيات في عدّة مجالات. أضف الى ذلك الانزعاج شبه العلني من جانب الرياض بانفراد الإمارات الدخول في مشروع «الماء مقابل الكهرباء» مع الأردن و«إسرائيل»، بشكل أثار حفيظة الرياض التي أعلنت قبلَ شهر عن مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» من ضمن رؤية المملكة 2030 للبيئة والتنمية المستدامة.

يرى مقربون من أبو ظبي أن الإمارات تريد أن يكون لبنان من ضمن سلة التفاهمات الجاري العمل عليها. وإذا كانَت قد اتخذت بعض الإجراءات تضامناً مع المملكة على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، فإنّ إجراءاتها بقيت مقبولة بالنسبة الى دول خليجية أخرى كالكويت، على سبيل المثال. ويقول هؤلاء إن «الإمارات سايرت السعودية في ما خصّ الرئيس سعد الحريري». لكن المصالح الإماراتية في لبنان تستدعي منهم عدم الذهاب بعيداً في معاداة لبنان، فـ«أهم دافع لدخول الإمارات على الساحة اللبنانية هو الدافع الاقتصادي، وهي تعلَم أن مشاريعها تحتاج الى ترتيب الجو المؤاتي، ولا سيما إن كانت تتعلق بقطاع النفط والغاز، مع ما يُحكى عن إمكانية دخول شركات إماراتية على الخط ربطاً بملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع فلسطين المحتلة». هذا الأمر قد يؤدي الى ردة فعل سعودية تدوزِن الحركة الإماراتية، ففي حالة التصعيد «لن يكون بمقدور الإمارات المجازفة بتعريض علاقتها مع المملكة للخطر».