من المفترض أن تتجّه الأنظار الى ثلاث عواصم خليجية سيقصدها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جولته المتوقعة في اليومين المقبلين، لرصد ما سيكون للبنان من حصة في محادثاته خلالها. وخصوصاً بعد ان عاد رئيس الجمهورية ميشال عون من إحداها، الدوحة، تحت جنح الظلام، حيث لم تمكنه مشاركته في الاحتفال بافتتاح «كأس العرب» من لقاء غير نظيره الفلسطيني محمود عباس.
وعليه، هل يمكن ان يعود ماكرون من جولته بـ «انتصار لبناني» يمنن النفس به؟
ستفرض الجولة الخليجية التي بدأها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الساعات القليلة المقبلة على اللبنانيين مواكبتها ساعة بساعة، لمتابعة اللقاءات التي ستجمعه في جدة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان، وفي ابو ظبي مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان، وفي الدوحة مع امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من اجل البحث عن حصّة لبنان في المحادثات التي سيجريها رئيس المبادرة الوحيدة تقريباً، التي حاولت إخراج لبنان من أزماته المتعددة منذ اطلاقها في الاول من ايلول العام 2020، عندما جمع القيادات اللبنانية من كل الطوائف والمذاهب والمشارب بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب حول طاولة مستديرة في قصر الصنوبر، مطلقا آلية لو التزمها اللبنانيون لكان البلد اليوم في مكان آخر.
وتزامناً مع انتهاء التحضيرات الجارية في باريس استعداداً لهذه الجولة، لا بدّ من الإشارة إلى انّ الرئيس الفرنسي قد أرجأ هذه الجولة اكثر من مرة، منذ ان بدأ التخطيط لها، وقد أُلغي اكثر من سيناريو مبدئي منذ اكثر من 14 شهراً. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الموعد الأول الذي تحدثت عنه المراجع الديبلوماسية بين آذار ونيسان الماضي، قبل ان يُرجأ لأسباب تتصل بتطورات الأزمات التي عاشتها المنطقة، ولا سيما تطورات حرب اليمن والهجوم غير المسبوق على منشآت ارامكو في المملكة العربية السعودية في النصف الثاني من أيلول العام 2019، وتداعياتها الخطيرة على أمن الطاقة العالمي، قياساً على حجم ما تمثله الشركة من القدرات الإنتاجية للمشتقات النفطية في العالم.
وبعيداً من أي تفاصيل أخرى تتصل بالمواعيد الملغاة للجولة، تكشف تقارير ديبلوماسية، انّ جولة ماكرون الحالية تقرّرت عقب قمة بغداد التي عُقدت في 28 و29 آب الماضي. وهي القمة التي جمعت بالرعاية الفرنسية الشخصية لماكرون بالإضافة إلى القيادة العراقية، ممثلي رؤساء وملوك وأمراء دول الجوار العراقي بمن فيهم المملكة العربية السعودية وايران، في خطوة وصفت بأنّها إنجاز ديبلوماسي فرنسي إقليمي ودولي على حساب حلفاء لها. فاستحقت باريس ان تقطف ثمارها في أكثر من قطاع حيوي في بغداد والسعودية ودول أخرى، قُدّر مردود استثماراتها بعشرات مليارات الدولارات، وأعادت فرنسا الى قلب المنطقة.
وبمعزل عن هذه المعطيات التي وفّرت الأجواء المناسبة للجولة الفرنسية، كشفت التقارير عينها، انّ ماكرون نجح في هذه الزيارة بملء لحظات الفراغ الغربي في الساحة الخليجية. وقالت انّ الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة «كورونا» ليست وحدها من منع زيارات قادة دول كبرى للخليج، ذلك انّ ما حال دونها يتصل بعناصر اخرى سمحت للرئيس الفرنسي بالحضور في عواصمها، في ظل الخلافات الناشئة بين القيادتين السعودية والاميركية منذ دخول الرئيس جو بايدن البيت الأبيض. فالجميع يدرك انّ مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جايك سوليفان لم ينجح خلال زيارته اليتيمة لمسؤول كبير في الرياض في 27 ايلول الماضي في إعادة ترتيب العلاقات وترميمها بين الدولتين، وخصوصاً انّها جاءت بعد أيام قليلة على رفض الرياض استقبال وزير دفاع بلاده لويد اوستن، الذي كان موجوداً في المنطقة متفقداً جنود بلاده في «قاعدة الظفرة» الاميركية في مملكة البحرين (8 أيلول الماضي)، قبل ان يزورها مرة اخرى مطلع الشهر الماضي، في اطار جولة حملته الى ابو ظبي ايضاً، من دون ان يتوجّه الى الرياض.
وإلى هذه المعطيات، فقد اضاف التقرير الديبلوماسي الملف اللبناني الى عناوين جدول أعمال ماكرون الخليجي، الذي تضمن حسب المعلومات الرسمية لقصر الاليزيه، إشارات الى الملف النووي الايراني والوضع في العراق واليمن. وربط تجاهل الوضع في لبنان بـ «النقزة» الفرنسية من عدم قدرتها على تحقيق اي إنجاز على هذا المستوى. فهو وعلى وقع تصاعد الأزمة مع لبنان وتفاعلاتها الخليجية، لم يحمل معه ما تمناه من أوراق قوة تساعده في فتح ثغرة في ازمة الثقة الخليجية بالمسؤولين في لبنان. فمنذ اللقاء الذي جمعه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في «قمة غلاسكو» مطلع الشهر الماضي، كان ماكرون يأمل في خطوات لبنانية إيجابية تجاه المملكة السعودية لم تحصل، ومنها استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي على المستوى الداخلي، ومرونة إيرانية سعى إليها قبل يومين، في اتصاله بنظيره الايراني ابراهيم رئيسي سعياً الى ما يمكن ان ينعكس تبدلاً في موقف «حزب الله» في لبنان من قضايا عدة لبنانية داخلية وأخرى اقليمية، وهو ما جعله يتردّد في التأكيد رسمياً أنّ ملف لبنان من أولويات زيارته الخليجية او على الاقل هو مدرج على جدول محادثاته.
وبناءً على ما تقدّم، يضيف التقرير الديبلوماسي، انّ مهمة ماكرون بوجهها اللبناني قد تكون أكثر خطورة وتعقيداً من اي ملف آخر. فمستجدات محادثات فيينا النووية، إن حقّقت تقدماً ولو محدوداً في بعض جوانبها، قد تطمئن الخليجيين تجاه التخفيف من حجم الخطر الإيراني النووي والعسكري التقليدي عليها. وقد تقود أي خطوة ايجابية إن تحققت في فيينا الى استئناف مفاوضات بغداد بين الرياض وطهران، وهو امر لا يمكن ان ينسحب على الوضع في لبنان.
ثمة من يعتقد أنّ الحديث عن انتصار لبناني يمكن ان يجنيه ماكرون من جولته الخليجية بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً. فهو وإلى جانب فقدانه لما يعزز موقفه إن سعى الى تليين الموقف السعودي، سيصطدم بديبلوماسية بليدة إن نوت إحدى الدول الخليجية ومنها قطر، الدخول على خط الوساطة. فالأزمة اللبنانية لا تحتمل تحديد مواعيد بعيدة الأجل، لأنّ الاستحقاقات الحكومية والانتخابية والمالية والاقتصادية اللبنانية الداهمة كبيرة ولا تحتمل التأجيل، في ظل السباق القائم بين الانفجار المرتقب والإنفراج الموعود.