Site icon IMLebanon

سياسة “القبيلة والغنيمة” وسط أزمة مصيرية

 

الهم واحد في لبنان والعراق، لكن المعالجة مختلفة.

 

في بغداد، حيث يقاتل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بسلاح الوطنية لمنع “اختطاف العراق”، رأى الرئيس ايمانويل ماكرون ان الحل يبدأ من “السيادة”. وفي بيروت، حيث يواجه “لبنان المخطوف” خطر “الاختفاء” حسب تعبير الوزير جان ايف لودريان، وضع الرئيس الفرنسي “السيادة” بين قوسين حالياً للتركيز على “الحوكمة” كبداية حل. وليس معنى ذلك ان ماكرون “العراقي” غير “ماكرون ” اللبناني بل ان مراحل الحل متباينة.

 

ذلك ان ماكرون يعرف ان المعادلة الفرنسية في لبنان ناقصة، وان كانت واقعية: فصل الهم الوطني والاصلاح السياسي عن الحوكمة والاصلاح المالي والاقتصادي، وفصل السياسيين عن الحكومة.

 

الخطوة الاولى تمت بسهولة عبر تكليف السفير مصطفى اديب تأليف حكومة مصغرة من اختصاصيين والتزام التركيبة السياسية برنامج العمل الذي قدمه الجانب الفرنسي.

 

اما الخطوة الثانية، فانها تبدو متعثرة. اولاً بالخلاف على العدد الذي هو رمز للتسلط او عدم التسلط السياسي على الحكومة. وثانياً بانكشاف المواقف الحقيقية التي غطتها اقنعة التعفف والتسهيل امام ماكرون، بحيث عدنا الى المحاصصة والحقائب الوزارية “المطوبة”. وثالثاً بعودة الاطراف المشكو منها الى تركيب الطبخة الوزارية تحت عنوان الحاجة الى حكومة “محمية سياسياً” كما طلب السيد حسن نصرالله. والترجمة العملية هي ان تكون الحكومة “محمية سياسية” للثنائي الشيعي والعهد.

 

والمشكلة أبعد، ولو حدثت معجزة وجرى الحد من الشروط. فالمنطق الفرنسي “الواقعي” يصطدم بعقبتين كبيرتين تمنعان نجاح الحكومة.

 

الاولى ان اهل السلطة يعرفون بالغريزة ما عبر عنه الكسيس دو توكفيل قبل قرنين بالقول “ان أخطر لحظة بالنسبة الى سلطة سيئة هي عندما تبدأ الاصلاح”. ونحن اسرى سلطة اكثر من سيئة تخاف من الاصلاح على مصالحها. والثانية ان التغيير السياسي هو الضمان الحقيقي لاجراء اصلاح مالي واقتصادي. فنحن في أزمة وطنية وسياسية صارت أزمة مصيرية. والانهيار المالي والاقتصادي نتيجة لسوء السياسات.

 

ومن هنا نبدأ. فلا شيء يوحي ان اهل السلطة على استعداد لتغيير السلوك قبل الحديث عن فتح الطريق لإعادة تكوين السلطة. لا نزول 2,7 مليون لبناني تحت خط الفقر اقلق المسؤولين المرتاحين، ولا الانفجار الذي دمر المرفأ وبيروت بدا عندهم سوى “فرصة” لفك العزلة الخارجية عنهم.

 

وهم يمارسون سياسة “القبيلة والغنيمة” التي لم تمت بعد في المنطقة. الحكومة والثروة الوطنية غنيمة للقبيلة. لكن القبيلة التي هي اصلاً قبائل متصارعة ومتفاهمة تقاسمت الغنيمة ولا مجال لغنيمة جديدة.

 

وليس لنا سوى الامل، ولو ان “الامل حلم مستيقظ” كما قال ارسطو.