على ارض جمهورية الهستيريا والفلتان، ووسط الانهيار الذي حذرت وتحذر من نتائجه كل القطاعات، حسم خيار «تنصيب» ابو مصطفى»الضابط الكل» رئيسا للمجلس، فيما باتت معركة نيابة الرئاسة محصورة بين واحد من نائبين «المدعى عليه قضائيا» سجيع عطيه و»المغضوب عليه برتقاليا»، وزميله الياس بوصعب مرشح الربع الساعة الاخير، بعد مفاوضات ماراتونية، ستتضح نتائجها اليوم، ليبدأ البحث جديا في انجاز طبخة تشكيل حكومة «لن تكون كالحكومات» نظرا لامكان قيادتها لفترة فراغ رئاسي.
وبين الكلام عن تفاهم على اسم نجيب ميقاتي تارةً، للتكليف والتشكيل، وطورا «للتعويم» وفقا لصيغة يجري تداولها من جهة، وفيصل كرامي من جهة ثانية، وما بينهما من رمي كمٍّ من الاسماء تبدأ باشرف ريفي ولا تنتهي بنواف سلام ، في اشارة الى رغبة البعض بادخال البلاد في ازمة طويلة، يمكن الإستخلاص أن الاطراف السياسيين على اختلافهم يعيشون حالة من التخبّط والضياع، ستنتهي بهم إلى اختيار شخصية تتقمّص دور حسان دياب كوارث لمصطفى اديب، جاهزة للبس «بدلة مخيّطة على قياس حسابات باريس والضاحية»، رغم أن ثمة من يردّد أن سيناريو المشاورات الملزمة سينتهي الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال بالقوة، بطريقة او باخرى.
وسط هذا المشهد، تتنوّع القراءات والتحليلات المتصلة بالأحداث الجارية، من الحضور الأميركي المفاجئ لمسؤولي الادارة السابقة على «الملعب اللبناني»، إلى الحركة الفرنسية، في انتظار اتضاح خلفيات التكــليف والتأليــف الجــديدين، حيث تكشف اوساط متابعة انه على الرغم من التطورات الدراماتيكية التي شهدها مسار التدخل الفرنسي منذ الزيارة الاولى للرئيس ماكرون عشية انفجار المرفا، تصــرّ باريس على تمسّكها بمبادراتها «المطاطة»، معلّلة ذلك بالإجماع الدولي حولها من جهة، وكونها مشاريع الإنقاذ الوحيدة المطــروحة على الطاولة حاليــاً، من جهــة ثانية. أمرٌ مجافٍ للحقيقة، بحسب العالمين بكواليس القرار في واشنطن، والتي يبدو أنها تغرّد خارج «السرب الفرنسي»، و»فاتحة خط عا حسابها» مع الريــاض منذ ايام.
ضمن هذا الاطار، يستعد الرئيس الفرنسي، خلال الفترة الممتدة بين اب وتشرين الاول، بعد ان تكون قد اكتملت صورة فريقه الجديد لادارة ملف المنطقة بعد انتهاء الانتخابات التشريعية، لزيارة بيروت مجددا، هدفها الاساس قطع الطريق على احتمال حصول فراغ في بعبدا، يتنظر ان يلتقي خلالها مسؤولا رفيعا في حزب الله، على ان يتوج في نهايتها رحلته باعلانه عن دعوة موجهة للقيادات اللبنانية لاجراء حوار على الاراضي الفرنسية ، بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي،
إنسداد الأفق الداخلي، جعل من خيوط اللعبة أكثر من أي وقت مضى، مرهوناً بالمواجهة الخارجية، حيث يسعى الفريق الأميركي – العربي، إلى تكليف شخصية من خارج النادي السياسي التقليدي، لتشكيل حكومة من شخصيات ذات سمعة طيّبة وخبرة ومصداقية من خارج دائرة الأحزاب، مدعومة من «قوى التغيير» التي انتجتها الانتخابات، تنحصر وظيفتُها في إدارة الأزمة الاقتصادية بما «يتلاءم مع آلية مالية دولية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية»، ووقف التهريب عبر الحدود، وانجاز الاستحقاق الرئاسي، تاركاً المجال أمام مروحة من الأسماء التي سبق تداولها، أو تلك التي استُجدّ طرحها.
عند هذه النقاط تتقاطع القراءة الدولية للوضع، والتي يجب رصد كيفية ترجمتها من قبل الطبقة الحاكمة، لوضع «التخريجة المشرّفة» قيد التنفيذ، والتي تحتاج الى موافقة العهد عليها، بكل قواه السياسية التي يتشكّل منها. فإذا حصل كان به، وإن عرقل الإخراج، فعندئذ ستكون الطبقة في مواجهة مع المجتمع الدولي وعواصم القرار المعنية، حيث اتُخذ القرار بفرض إجراءات مؤلمة.